مجزرة مقبرةالشيخ رضوان 21/8/2014
إن كنت تسعى إلى رزقك لتجلب قوت أطفالك تحت القصف الإسرائيلي فأنت في غزة, وإن كنت ترى المعافين يقتلون أمامك فأنت في غزة ،وإن رأيت جنين يستشهد داخل رحم أمه الشهيدة فأنت في غزة, وإن كنت تحفر قبراً لشهيد ثم قصفت ودفنت في القبر الذي حفرته بيدك فأنت في غزة.
سالم أبو غديين (24 عام) وعبد الرحمن شويخ (20 عام) , وأوسم طافش (50 عام)والأخوين رامي سالم (20 عام) ومحمد سالم ( 18 عام) , قرروا أن يتطوعوا في حفر القبور للشهداء في مقبرة الشيخ رضوان الخميس 21/8 ,شمال غرب قطاع غزة , بعد أن رأوا الأعداد الكبيرة التي تتوافد من أهالي الشهداء إلى المقبرة دون وجود قبور جاهزة لدفن أبنائهم تحت موجة القصف والعنف الإسرائيلي عليهم, فاستعدوا متطوعين أن يشاركوا شعبهم هذا الألم الذي يصيب كل ذوي الشهداء بتجهيز القبور لهم لعلهم يخففوا عنهم لو بجزءٍ يسير.
لم يعرف الشاب سالم أبو غديين أن القبر الذي يقوم بحفره وهو يتعمق فيه ويقومبتحفيفه وتجهيزبلاطاته وهو يقطر عرقاً على تراب ذلك القبر تحت أشعة الشمس الحارقة , سيكون له بعد ساعاتٍ معدودة ليرتاح فيه ودماؤه تفترشه, لعل قبره هذا يريحه من ويلات العدوان المستمر عليه وعلى أبناء شعبه , فها هو أراح الشهداء في قبورهم وأراح نفسه بجوارهم.
بركة أبو غديين شقيق الشهيد سالم: ” أخي كان يستعد لزواجه هذا العام , فقام بتجهيز غرفته ليوم زفافه لكنه رحل إلى قبره الذي جهزه بيده أيضاً وانهى عرس استشهاده فيه ”
لكن الناجي من هذه المجزرة الشاب يونس خضر(21 عام), الذي كان يشارك صديقه الشهيد عبد الرحمن شويخ حفر القبور والذي صورته كاميرا أحد المحلات قبل أن يستشهد بيوم وهو يطلب صاحبها شربة ماء.
يحكي تفاصيل المجزرة” بعد أن انتهينا من حفر القبور ذهبنا لنستظل تحت شجرة كي ننتظر عائلة شهداء تنوي دفن أبنائهم في هذه المقبرة , فذهبت لأحضر الماء لي ولأصدقائي بعد أن انتابنا العطش بسبب مشقة الحفر وحرارة الشمس الساطعة ”
وتابع ” وأنا خارج المقبرة سمعت دوي انفجار قوي ثم تلاه انفجار آخر وإذ أرى أنه قصف استهدف المقبرة, فعدت مسرعاً لأطمئن على أصدقائي فوجدت صديقي عبد الرحمن مع الرجل الطيب البسيط أوسم طافش مع الأخوين رامي ومحمد والشاب سالم ممدين على الأرض والدماء تغطيهم فأدركت أنهم استشهدوا جميعاً”
ويصف يونس صديقه وهو معتصراً بالألم والحزن بأن عبد الرحمن كان شقيقه الذي لم تلده أمه, فهم كانا يأكلان معاً ويخرجان معا ويضحكان معاً ويحلمان معاً,
محملاً جيش الاحتلال الإسرائيلي عن هذه المجزرة و مؤكداً أن الشهداء هم مدنيين استهدفوا في وضح النهار, لكنه انتهى قائلاً : ” راح” في اشارة لصديقه ,ثم سكت.
مقبرة الشيخ رضوان لم تكن هي الوحيدة التي تستهدف من قبل طيران الاحتلال الإسرائيلي فقد سبقتها مقبرة جباليا ومقبرة بيت حانون ومقبرة بيت لاهيا إلى درجة أن عظام رفات الاموات خرجت من القبور بعد أن دمرت واختلطت فيما بينها, فربما أولئك الأموات في قبورهم كانوا ضمن بنك أهداف الاحتلال الذي يهدد أمنه !
أما الأخوين رامي ومحمد سالم أبو نحل, اللذان استشهدا معا في هذا القصف على مقبرة الشيخ رضوان واللذان دفنا معاً في قبر جدهم بسبب قلة القبور,وجدنا والدهما جالساً في بيت عزائهم محمر العينين هزيل الجسم لا يتفوه بأي حرف حزناً على ولديه اللذين كانا عمود بيته.
يقول شقيق والد الشهيدين حمدي سالم أبو نحل ” أثناء مساعدة ابنا أخي أصدقاءهم في حفر القبور استهدف
الابن الأكبر رامي بصاروخ اسرائيلي ليرتمي على بلاطة أحد القبور ، فجاء أخيه الأصغر منه محمد ليحاول مساعدته لكنه ارتبك وأصابته صدمة لم يعرف ماذا يفعل, وعلى الفور عاجله الطيران الاسرائيلي بصاروخ آخر ليستشهدا معا في نفس المكان, فكان لكل واحد منها صاروخاً بمفرده ”
هذه الأرض الطاهرة احتضنت في طياتها عشرات الآلاف من بني البشر، وتعطرت حبات رملها بدماء الشهداء العظام لتسرد حكايات من قضوا وسبقوا إلى عالم الآخرة، لشعب كل ذنبه أنه أحب أرضه وبقي فيها رغم كل الجرائم والويلات .