16 عاماً على استشهاد الأسطورة القائد «لؤي السعدي»
تتزاحم الكلمات على بوابة مجد تليد صنعه الرجال الرجال، وتلوذ بستار الحياء عبارات تروي سير المجاهدين الأبطال، حسام قلب نبض بحرارة الإيمان، وروح وثابة في كل ميدان، ونفس تسامت مضحية بلا إذعان، التزام وحسن معاملة، صبر ومصابرة ، ريادة وقيادة ، جهاد وحب شهادة، وتتكسر الأقلام أمام تاريخ العمالقة صناع الأحداث، الذين لم يسطروا التاريخ بريش أقلامهم بل سطر التاريخ عنهم بمداد دمائهم، لم يتكلموا عن حياتهم وتركوا للكلمات أن تحدث بأفعالهم، لؤي قائد جهادي يتلألأ بين الكواكب بدره، وأخجل بحسن طلعته النجوم، تجهز عظيما لحملأمانة الإسلام العظيم، ورحل عظيماً في ميدان التضحية والفداء لأجل نصرالدين وإذلال الغاصبين.
في مثل هذا اليوم وقبل 16 عاماً، استشهد القائد لؤي السعدي القائد العام لسرايا القدس في الضفة المحتلة ومساعده المجاهد ماجد الأشقر إثر اشتباك مسلح مع وحدة صهيونية خاصة دام عدة ساعات بمخيم طولكرم، بعد رحلة جهادية مشرفة في صفوف السرايا.
ميلاد القائد
ولد الشهيد القائد لؤي جهاد فتح الله السعدي بتاريخ 25 – 5 – 1979م، في بلدة عتيل قضاء محافظة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة لأسرة ملتزمة بتعاليم الاسلام العظيم، ونشأ وترعرع في أحضان عائلة مجاهدة خرجت الكثير من الشهداء والأسرى والجرحى على طريق الحرية والعزة والكرامة، وتتكون أسرته من أخ واحد وثلاث أخوات.
درس شهيدنا لؤي السعدي المرحلة الابتدائية والاعدادية والثانوية في مدارس بلدة عتيل، وواصل دراسته الثانوية حتى وصل الصف العاشر الأساسي، ولم يكمل دراسته بسبب ملاحقة ومطاردة الاحتلال الصهيوني له.
رحلته الجهادية المشرفة
نشأ الشهيد لؤي السعدي وترعرع في كنف حركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري سرايا القدس منذ نعومة أظفاره، وتربى خلال فترة اعتقاله على أيدي قادة عظام تنقلوا بين سجون الاحتلال وسجون السلطة الفلسطينية كأمثال الشهيد القائد “أسعد دقة” والشهيد القائد “نعمان طحاينة” وغيرهم من الشهداء والأسرى الذين سطروا بتضحياتهم هذا التاريخ من البطولات.
اعتقل القائد السعدي للمرة الأولى عام 1996م، وحكم عليه بالسجن مدة 16 شهراً قضاها في سجون الاحتلال، واعتقل للمرة الثانية في العام 1999م وقضى 5 أعوام ونصف في سجون الاحتلال بتهمة الانتماء لحركة الجهاد الاسلامي، وأفرج عنه في صفقة التبادل مع حزب الله في شهر يناير عام 2004م، وكان داخل السجن من أشبال الحركة الفاعلين والناشطين داخل السجن حيث كان يتصدر العمل الشبابي نظراً لشجاعته وصغر سنه وجرأته وحماسته داخل الأسر إلا أنه لفت أنظار الجميع، وأفرج عنه ليواصل مشواره الجهادي حتى وصل إلى مرحلة أصبح لديه الكفاءة والقدرة على قيادة سرايا القدس في طولكرم وتنفيذ مجموعة من العمليات البطولية التي زلزلت كيان الاحتلال، وكان بارعاً في صناعة الأحزمة الناسفة وتجهيز الاستشهاديين ومقارعة الوحدات الخاصة الصهيونية واعترف العدو أنه يواجه ثلة عنيدة من أبناء سرايا القدس كان قائدهم لؤي السعدي.
أصبح اعتقال القائد لؤي السعدي ملحاً بالنسبة للشاباك، بعد أن استطاع إخراج عملية استشهادية بتاريخ 26 – 2 – 2005م، والتي نفذها الاستشهادي عبد الله بدران عند مدخل ملهى ليلي «سيتيج»، في مدينة “تل أبيب” المحتلة، مما أدى إلى مقتل خمسة صهاينة وإصابة أكثر من خمسين آخرين.
وعندما أعلنت سرايا القدس مسؤوليتها عن العملية الاستشهادية التي نفذها المجاهد أحمد أبو خليل في المجمع التجاري في مدينة أم خالد (نتانيا)، والتي أدت لمقتل 6 صهاينة وإصابة أكثر من 40 آخرين، أدرك ضباط جهاز (الشاباك) الصهيوني الجهة التي تقف خلف العملية، وطبيعة الرسالة التي حملتها وتبادلوا النظرات مع بعضهم البعض لينطق احدهم “هو”. و”هو” لم يكن سوى لؤي السعدي، والذي يتولى قيادة سرايا القدس، وأصبح المطلوب الأول للشاباك الذي لم يتمكن من اعتقاله، على الرغم من المطاردات الطويلة له.
رحلة المطاردة
كان نشاط الشهيد القائد السعدي يمتد من شمال الضفة إلى جنوبها، وكانت قوات الاحتلال اعتقلت أكثر من 500 عنصر وكادر من حركة الجهاد الإسلامي، خلال الأشهر التي سبقت اغتياله، دون أن تتمكن من الوصول إليه، ولكنها زعمت إنها نجحت في تفكيك خليتين تعملان بإشرافه، الأولى تتكون من ثمانية عناصر من محافظات بيت لحم والقدس وطولكرم وكانت تنوي تنفيذ عملية مزدوجة في حي راموت الاستيطاني بالقدس، والثانية مكونة من سبعة عناصر من محافظة الخليل خططت لإطلاق صاروخ من نوع آر بي جي على نقطة للجيش الصهيوني تقع بين بلدتي أذنا وترقوميا، قرب الخليل في جنوب الضفة، يعقبها أسر جنود أو جثث قتلى منهم، لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين
ويتهم العدو الصهيوني القائد لؤي السعدي بالوقوف خلف عدة عمليات نُفذت ضد قوات الاحتلال، ولمسؤوليته عن عدة عمليات جهادية منها: التخطيط لعمليتي “تل أبيب ونتانيا” الاستشهاديتين، اللتين قتلتا ما يزيد عن عشرة صهاينة، ثمانية منهم من الجنود. وهو مسؤول عن الكمين المُحكم على طريق باقة الشرقية قرب طولكرم، الذي قُتل فيه ضابط استخبارات صهيوني، رداً على اغتيال القائد في سرايا القدس زاهر الأشقر.
وأصبح اقتحام بلدة عتيل ومداهمة منزل عائلة السعدي أمراً يومياً بالنسبة لقوات الاحتلال التي عمدت أكثر من مرة إلى اعتقال والده وشقيقته هديل، مثلما حدث في 11 حزيران/ يونيو 2005، عندما داهمت المنزل واعتقلت والده جهاد السعدي وشقيقته هديل، وفي كل اقتحام للمنزل، كان يتم الاعتداء على سكانه، وإطلاق القنابل الصوتية والغاز المدمع داخله.
وفي غمرة المطاردة الطويلة للؤي اكتشفت امرأة من قرية عتيل أشياء غريبة على شجرة قبالة منزل لؤي، وعندما استدعت من يراها تبين أنها مجسات مراقبة، وتم استدعاء الشرطة الفلسطينية، وعندما وصل أفراد من هذه الشرطة بلباسهم المدني لمعرفة الأشياء الغربية على الشجرة فوجئوا بقوات خاصة صهيونية تطبق عليهم وتعتدي عليهم بالضرب.
وتحول لؤي السعدي إلى ما يشبه الأسطورة في منطقته ويتحدث عنه السكان هناك كونه الشخص الذي دوخ جيشأ بأكلمه، حيث أصبح لؤي السعدي المطلوب الأول للاحتلال، وأصبحت مهمة اعتقاله أو قتله على سلّم أولويات الاحتلال، وقد استعانت قوات الاحتلال عدة مرات بقوات خاصة للوصول إلى السعدي، لكن محاولاتها المتكررة باءت بالفشل.
وواصلت قوات الاحتلال حملة البحث عن لؤي السعدي، حيث لم تترك قوات الاحتلال مغارة أو كهفا في ريف طولكرم دون أن تنسفه بحثا عن السعدي ولكنها فشلت، وقد اغتالت أبرز المقربين من المجاهد السعدي، ومنهم الشهداء شفيق عبد الغني وعبد الفتاح رداد ومحمد أبو خليل.
موعد مع الشهادة
كانت ساعات صباح يوم الاثنين الموافق (24/10/2005) من أشد ساعات الفرح لدى الصهاينة، الذين استبشروا خيراً باغتيال العقل المدبر والمخطط لعمليات الثأر الجهادية في أراضينا الفلسطينية المحتلة عام 48 ،حيث تمكنت قوات الاحتلال من اغتيال القائد لؤي السعدي ومساعده القائد ماجد الأشقر, خلال عملية عسكرية واسعة شهدتها محافظة طولكرم وشاركت فيها طائرات مروحية واستطلاعي وتم خلالها اعتقال أكثر من عشرة مواطنين فلسطينيين
فرح صهيوني لم يطول
وتعبيرا عن فرحتها الغامرة باغتيال الشهيدين قام جنود وضباط الاحتلال الصهيوني بالتقاط صور تذكارية للشهيدين اللذين ألقيا على الأرض والى جانبهما سلاحهما الذي قاوما فيه حتى آخر قطرة دم، وهم يحتفلون باغتيالهما، مع اطلاق الضحكات وعبارات التبجح.
وقرر وزير الحرب في الكيان الصهيوني شاؤول موفاز آنذاك تكريم ثمانين جندياً من وحدة “دوفدوفان” الصهيونية الذين شاركوا في يوم “الفرح” الذي تمكن فيه الصهاينة من اغتيال القائد لؤي السعدي ومساعده ماجد الأشقر، وقد تقرر في وزارة الحرب ترقية جميع المشاركين في العملية الجبانة، فيما يبدو أنها إكرامية قتل القائد لؤي السعدي.
لم يطول الرد
ولكن لم يدم فرح الصهاينة كثيراً ولم يطول الرد، فقد أعلنت سرايا القدس في بيان لها، حالة الاستنفار العام لدى قواعدها العسكرية رداً على اغتيال القائد الشهيد لؤي السعدي قائد سرايا القدس في الضفة الغربية والقائد المجاهد ماجد الأشقر، وطالبت كافة قواعدها العسكرية ومجاهديها وكافة مجاهدي شعبنا بالاستعداد وإبقاء اليد على الزناد والعين على العدو من أجل توجيه الضربات للاحتلال المجرم.
وأكد الدكتور الراحل رمضان شلّح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي آنذاك في تصريح صحفي أن جريمة اغتيال قائد سرايا القدس في الضفة الغربية لن تمر دون عقاب رادع للعدو الصهيوني الذي تجرأ على دماء أبناء الجهاد الإسلامي خلال التهدئة التي التزمت بها الفصائل الفلسطينية”، مؤكداً أن دمائهم الزكية لن تُنسى، وستبقى لعنة تطارد الاحتلال وجنوده ومغتصبيه في كل بقعة تطالها أيدي أبناء المقاومة الفلسطينية المجاهدة.
فجاءت عملية الخضيرة الاستشهادية التي نفذها الاستشهادي المجاهد “حسن أبو زيد” من سرايا القدس بمدينة الخضيرة المحتلة بتاريخ 26 – 10 – 2005م، والتي أدت لمقتل 6 صهاينة وإصابة 55 آخرين، لتؤكد للاحتلال أن المقاومة لن تعجز عن ضرب العمق المحتل في أي وقت تحدده.. وأن الجهاد الإسلامي شوكته قوية، عصية على الانكسار، وأن رجال سرايا القدس قادرون بإذن الله على ضرب الأمن الصهيوني رغم كل الحملات ضدها.