وصية شهيد فلسطيني
أُمّاهُ لا تحزني إنْ جاءَكِ الخَبَرُ أو قيلَ طالَ بِهِ يا أُمَّهُ السفَرُ
لا تُهرقي دمعَكِ الغالي إذا خَطَرَتْ يا حبَّةَ القلبِ بعد الغيبةِ الفِكَرُ
قرِّي و نامي و ملءُ العينِ فرحتها إنِّي هناك بدارِ الخُلدِ أنتظِرُ
لمّا سمعْتُ نداءَ الحقِّ يدعوَني تسابقَ القلبُ و الإحساسُ و البَصَرُ
فما وجَدْتُ سوى نفسي أقدِّمُها للهِ ، لم يُثنِها عن عزمِها الخطَرُ
كان الصباحُ جميلاً حينما انطَلَقَتْ ساقايَ نحوَ العُلا يحدوهُما الظَّفَرُ
كأنَّ أنسامَهُ من جنَّةٍ عَبَقَتْ روحي، و أعطارُهُ في الأُفْقِ تنتشِرُ
يا كم تمنَّيْتُ يا أُمّاهُ في صِغَري نيلَ الشهادةِ ، لم يُنعِمْ بها الصِّغَرُ
حتّى أفاءَ الذي نفسي بقبضتِهِ بها عليَّ، و جودُ اللهِ يُذَّكَرُ
أرنو إلى الموتِ ، إن الموتَ في شَمَمٍ بطعنةِ الرمحِ أو بالسيفِ يُعتَبَرُ
و الموتُ فوقَ فِراشِ الذلِّ في فَزَعٍ ذنبٌ لصاحِبِهِ ، يا ليت يُغتَفَرُ
لمّا رأيتُ عدوَّ اللهِ في وطني قد ضاقَ ذرعاً بِهِ المحراثُ و الشَّجَرُ
و أَنَّتِ الروضَةُ الحسناءُ ، إذ عَبَثَتْ كفُّ اللئيمِ بها و استنجدَ الثمَرُ
و مسجدُ القدسِ يشكو غدرَ مُغتَصِبٍ يدعو أيا مُسلماً : مَنْ ليْ سينتَصِرُ ؟
يشكو، فلم يستَجِبْ يوماً لصرختِه إلا القليلُ، و جُلُّ الناسِ مُستَتِرُ
كأنَّما الأرضُ آذانٌ بها صَمَمٌ و قلبُ سُكّانِها الجلمودُ و الحَجَرُ
و العالمُ المُبتَلى بالصمتِ مُنشَغِلٌ بالكأسِ ، باللاعبِ المشهورِ يفتَخِرُ
يهزُّهُ حارسُ المرمى و طلعتُهُ أو نجمةٌ زيَّنَتْ أعطافَها الدُّرَرُ
و تُذرَفُ الأدمُعُ الحرّى إذا مَرِضَتْ أو أعلَنَتْ موتَها الأنباءُ و الصُّوَرُ
يهتزُّ عالمنا لو قطةٌ ذُبِحَتْ و لا يُحَرِكُهُ لو يُذبحُ البَشَرُ
من أجلِ ذاك أيا محبوبتي اْنطَلَقَتْ روحي كقنبلةٍ في البغيِ تنفجِرُ
و لو مَلَكْتُ سوى الروحِ التي قُبِضَتْ ألفاً ، لفجرتُها في وجهِ من غَدَروا
أجودُ بالنفسِ كي تبقى كرامتُنا تاجاً على الرأس يا أُمّاهُ يزدَهِرُ
فباركي يا حياةَ القلبِ تضحيتي و لا تُبالي ، فإنَّ الموتَ ليْ قَدَرُ
نامي و قرِّي و ملء العينِ فرحتُها إنِّي هناكَ بدارِ الخُلدِ أنتَظِرُ
هذي وصيَّةُ من أرْضَعْتِهِ شَمَماً فلتقرئي ما بها إنْ تُسدَلِ السُّتُرُ