لشهيد القائد “دانيال منصور”: كابوس طارد المحتل في كل مكان
إن المعروفَ لا يُعرَّف أبداً، جسور بأسه شديد يفِلَّ الحديد، ما أروعه ذاكَ الذي يعمل بصمت ، يتخفي عن أنظار الشهرة والرِّياء ، يتزاحم والصادقين لحجز مقعد في الجنة ، يودع زوجه والصغار كل مساء، يعلم أنَّ رجلاً يحمل همَّ الوطن فوق كتفيه وروحه هو على موعد مع الشهادة في أي لحظة للقاء ربه ..
تأتي ذكرى العظماء لتجدد فينا العزم على مواصلة النهج الجهاد، ولتبعث فينا الأمل من جديد نحو النصر والتحرير، ولتذكرنا بأولئك الأبطال الذين رسموا بدمائهم طريق العزة والإباء، نستذكر اليوم (8/3) الذكرى الأولى لرحيل القائد الهمام، الذي أفنى حياته في سبيل الله حتى أن اصطفاه الله شهيداً على ثغر من ثغور الجهاد والمقاومة في معركة البنيان المرصوص، انه الشهيد القائد دانيال منصور “أبو عبد الله” عضو المجلس العسكري وقائد سرايا القدس في لواء الشمال .
ولد الشهيد القائد دانيال كامل محمد منصور كبقية مواليد فلسطين في فترة إمتزج فيها الألم بالأمل، وضجّت صرختهُ الأولى بين زقاق المخيَّم المثقوب والغارق بهم . في الثالث عشر من يونيو حزيران1973م لعائلة فلسطينية تعود أصولها لبلدة ” القسطينة ” قبل الهجرة واستقر بها الحال بمخيم الشابورة بمدينة رفح، حالها كحال العوائل المهجرة التي تجرعت معاناة الاحتلال وإجرامه، فأكمل دراسته الابتدائية والإعدادية بمدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين وأكمل دراسته الثانوية فرع الصناعة بمجال الصيانة والكهرباء ، وتزوَّج عام 1994 وأنجب أربعة من الأبناء .
كان الشهيد “أبو عبدالله” السباق دوماً في قيادة المسيرات وتنظيم بيوت عزاء الشهداء، وأشرف على تنظيم مسيرات الأكفان والمقنعين وفعاليات حرق الأعلام الصهيونية والأمريكية، إلى جانب اهتمامه الشديد بزيارة أهالي الشهداء وعوائلهم والذي كان مواضباً على زيارتهم من حين لآخر .
كان وقع نبأ استشهاد الدكتورفتحي الشقاقي عظيم على قلوب محبيه بشكل عام وعلى قلب الشهيد “أبو عبد الله” بشكل خاص، فمكث لمدة ثلاثة أيام في بيت عزاء الشهيد الشقاقي، وفي اليوم الثالث صنع مجسماً لرئيس وزراء العدو آنذاك” اسحاق رابين ” وقام بتعليقه على عمود للكهرباء أمام منزل الشهيد فتحي الشقاقي، وأمام كاميرات التلفاز قام بضرب المجسم بالسكين عدة ضربات، كرسالة عبّر فيها عن حالة الغضب التي كانت تعتري قلوب أبناء الجهاد الإسلامي جراء حادثة الاغتيال الجبانة بحق الدكتور”الشقاقي رحمه الله ..
وقد اعتقل الشهيد “أبو عبد الله” لدى اجهزة امن السلطة عدة مرات، ذاق فيها ألوان العذاب ومرارة السجن والظلم .يستذكر أحد رفاقه
نقطة كي يخلدها التاريخ للشهيد القائد “أبو عبد الله” فعلى الرغم من كثرة اعتقاله وسجنه وتعذيبه من قبل أجهزة أمن السلطة، إلا أنه لم ترد إلى عقله فكرة الانتقام والثأر، بل ظل محافظاً على علاقة مميزة بالكثير من أبناء الأجهزة الأمنية المبنية على فكرة الشراكة في الدفاع عن هذا الوطن مهما اختلفت الأفكار والرؤى السياسية، الأمر الذي ترك أثراً كبيراً في نفوسهم فيما بعد، ودفع الكثير منهم للإلتحاق بصفوف الجهاد الإسلامي وانخراطهم في العمل الجهادي
ومع بدايات اندلاع “في انتفاضة الأقصى” بدت علامات الفرح تظهر على محيّا “أبو عبد الله ” بفعل هذه الانتفاضة الوليدة، وقام من جديد بإعادة تنظيم الشباب، حيث برز دوره في قيادة العمل بمدينة رفح، ولم ينحصر دوره في تجنيد الشباب وتأطيرهم الحركي، بل حمل سلاحه البسيط وكان يذهب مع مجموعة من الشباب للإشتباك مع جنود الاحتلال وآلياته عند بوابة صلاح الدين الحدودية، ما أدى إلى إصابته في أحد الاشتباكات بإصابة خطيرة في الكبد .
تفرّغ الشهيد دانيال بشكل كامل للعمل الحركي في هذه المرحلة، وكان يقوم بالإشراف على العمل الإعلامي من نشاطات وملصقات تخص حركة الجهاد الإسلامي في بيوت عزاء الشهداء وبيانات تبنيهم من قبل الحركة، وكانت لا تخلو مسيرة تشييع لشهيد إلا ويكون الشهيد دانيال على رأسها.
وتكلف الشهيد “أبو عبد الله” بإدارة ملف الإعلام الحربي لسرايا القدس ، حيث أحدث نقلة نوعية في مجال الإعلام المقاوم، وعمل على تطوير العمل الإعلامي من خلال إصدار الكثير من الكتب والنشرات والدوريات وكذلك إنتاج الأفلام والكليبات العسكرية التي تخص الشهداء وسيرهم الذاتية، وتوثيق العمليات العسكرية لسرايا القدس, وكان عمله مميزاً جداً وذا بصمة خاصة استحق إعجاب الكثيرين، نظراً لأن الجمهور المقاوم كان متعطشاً جداً إلى المادة الإعلامية التي من شأنها تعزز روح المقاومة في نفوس أبناء شعبنا الفلسطيني البطلٍ.
عمل الشهيد دانيال منصور على إعداد جيش من المجاهدين في لواء الشمال، إلى أن داهمت الحرب قطاع غزة، حيث قتل البشر، وأقتلع الشجر والحجر ودمرت البيوت على رؤوس ساكنيها وسلبت البسمة عن وجوه الآمنين، ورملت النساء ويتم الأطفال، حينها كان الشهيد القائد “أبو عبد الله” يلبس بزته العسكرية ويتقدم الصفوف متنقلاً من ميدان إلى ميدان ومن جبهة إلى أخرى يوجه اخوانه المجاهدين وترقب عيونه الثغور، ويعطي الأوامر إلى اخوانه المجاهدين لصد التوغلات ونصب الكمائن وإطلاق الصواريخ .
ومع اشتداد المعركة واستمرار العدو في غيّه وطغيانه من قصف للبيوت واستهداف للمناطق المأهولة بالسكان والعائلات والأبراج، أقدم العدو الصهيوني في الرابع من شهر أغسطس آب 2014م على استهداف أحد البيت في بلدة جباليا شمال قطاع غزة، والذي كان الشهيد ” أبو عبد الله ” متواجداً بداخله هو ومجموعة من اخوانه المجاهدين، إلى جانب مرافقه الشخصي عبد الناصر العجوري، الأمرالذي أدى إلى ارتقاء القائد دانيال وصحبته ..
شكّل نبأ استشهاد القائد “أبو عبد الله ” صدمة كبيرة على نفوس الكثيرين من أبناء سرايا القدس ، وظن العدو واهماً في تلك اللحظة أن باغتياله القادة سيحسم المعركة لصالحه وسيجبر المجاهدين على رفع الراية البيضاء، إلا أن المجاهدين استطاعوا مواصلة المعركة بكل قوة .
لم يكن يوم الثالث من آب لعام 2014م يوماً عاديا أعلنت فيه سرايا القدس الجناح العسكري عن اغتيال مسئول وحدة الاستخبارات الأمنيَّة وقائدها في شمال قطاع غزة ” دانيال منصور”أبو عبد الله” اشتعلت الحناجر الغاضبة تهتف باسمه، ليجوب عُرسه من الحد الشَّمالي حيث مقر استشهاده لأقصى جنوب القطاع بمسقط رأسه.
فالسلام على من امتشق بندقية بوصلتها فلسطين.