شهداء فلسطين

في ذكرى ارتقائه.. الشهيد القائد فلاح مشارقة

ميلاد قائد:

ولد الشهيد القائد فلاح حسن نعيم مشارقة (أبو النور) في مخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين بمدينة طولكرم، في

24 نيسان / إبريل 1967م، في أسرة بسيطة عُرف عنها الالتزام الخلقي والديني والاجتماعي.

أبوه عامل وله عشرة إخوة، جاءت الأسرة من قرية “إجزم” من مدينة حيفا.

أنهى الشهيد فلاح دراسته الإعدادية في مدارس مخيم نور شمس؛ حيث نشأ في أحضان العائلة التي أنبتته على

الشجاعة والخشونة، وعدم التهاون والخضوع، إضافة إلى حب الله والوطن.

اعتقل مع أفراد من عائلته مرات متفاوتة، وتزوج سنة 1996م من إحدى قريباته، ولم يرزق بأي مولود.

صفاته وأخلاقه:

من أهم الصفات التي تميز بها القائد فلاح أنه متدين وملتزم منذ نعومة أظافره، وعُهد حنوناً مساعداً للأيتام والمحتاجين.

كما كان مثالاً واضحاً للشجاعة والصدق والإخوة مع زملائه، ومرجعية كاملة لمعاني العزة والكرامة والجهاد، ومخزوناً

سامياً للقيم الرفيعة، وهو دائم البشاشة والمرح حتى في أصعب الظروف.

مشواره الجهادي:

لقد عرِف القائد فلاح مشارقة بحبه لمقارعة جنود الاحتلال ومستوطنيه، فانخرط في صفوف حركة فتح عام 1987م في

الانتفاضة الأولى؛ حيث بدأ مشواره الجهادي بملاحقة جنود الاحتلال في أزقة المخيم بالحجارة والزجاجات الحارقة، والقطع

الحديدية، ونصب الكمائن لقطعان المستوطنين الذين كانوا يمرون على الشارع الرئيسي المحاذي للمخيم، فحطم الكثير

من سياراتهم وأوقع فيهم إصابات مختلفة، وذلك بسبب قدرته المميزة على التصويب والإلقاء.

اعتقلته قوات الاحتلال للنيل من عزيمته في العام 1989م، وحكم عليه لمدة تسعة شهور في معتقل “مجدو”، خرج

بعدها بمزيد من الصبر والإرادة.

انضم إلى مجموعات “الفهد الأسود”، كما قام بعمليات خطف لبعض العملاء والتحقيق معهم، فقامت قوات الاحتلال

بمطاردته لمدة ثلاث سنوات، اعتقل بعدها وحكِمَ عليه بالسجن عشرين عاماً فعلياً ومثلها مع وقف التنفيذ، أمضى منها

ثلاث سنوات في سجن “جنيد”، وأطلق سراحه ضمن الاتفاقيات المبرمة مع العدو.

أقام في أريحا مع المحررين ثم عاد إلى أرض المخيم؛ حيث رفض الانخراط في أي من أجهزة السلطة؛ وذلك بسب

تحولات فكرية طرأت عليه بعد انجرار السلطة وراء ما يسمى “عملية السلام” المزعومة.

مسيرته الجهادية مع حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين:

وقبل بدء انتفاضة الأقصى بأشهر قلائل تعرف الشهيد الفارس فلاح على مجاهدين من حركة الجهاد الإسلامي في

فلسطين، وأخذ من خلالهم يتشرب الفكر الجهادي والاستشهادي، وما أن اندلعت الانتفاضة حتى بدأ عمله العسكري مع

الشهيد القائد أسعد دقة، وبعد استشهاد القائد أسعد اشترك في العمل الجهادي مع الشهيد القائد معتصم مخلوف،

والشهيد القائد إياد صوالحة؛ حيث كان يتركز عمله على زرع العبوات الناسفة ونصب الكمائن لجنود الاحتلال

ومستوطنيه على الطرق الالتفافية.

بالإضافة لذلك قام بتشكيل خلية عسكرية مميزة بصلابتها ومجاهديها، وجميعهم قضوا شهداء، وهم: (الشهيد المجاهد

خالد أبو العز، والشهيد المجاهد سائد مصيعي، والشهيد المجاهد ذاكر أبو ناصر، والشهيد المجاهد مازن حويطات) وآخرون.

كان الشهيد فلاح مشارقة من بين المجاهدين البارزين في الدفاع عن مخيم طولكرم خلال الاجتياح، فتمت ملاحقته

ومطاردته بعد ذلك من قِبَل الاحتلال، واستطاع الانسحاب أكثر من مرة من قلب الحصار، ومن أبرزها يوم استشهد رفيقاه

المجاهدان (سائد مصيعي، وذاكر أبو ناصر)؛ عندها طلب منه رفاقه الانسحاب وقاموا بتغطية انسحابه والإصرار على

الشهادة، فكان لهم ذلك؛ حيث شارك في الكثير من العمليات العسكرية، وقنص الجنود والمستوطنين، والتحقيق مع العملاء.

بالإضافة لذلك قام القائد فلاح بتجهيز الاستشهادي (رامي غانم) الذي نفذ عملية نتانيا البطولية بتاريخ 30 آذار / مارس 2003م.

كما شارك بالتخطيط للكثير من الهجمات على المستوطنات ومواقع تمركز الفرق العسكرية الصهيونية، بالإضافة لذلك

زرع الكثير من العبوات الناسفة على طريق الجيبات والآليات، وكان صقر الطرق الالتفافية فأوقع الكثير من القتلى من

الجنود والمستوطنين قرب قرية بزاريا مع الشهيدين سائد وذاكر.

موعده مع الشهادة:

مع بزوغ فجر يوم الثلاثاء 14 أيلول / سبتمبر 2004م استيقظ أهالي مخيم نور شمس على قوات ضخمة، معززة

بالطائرات والدبابات وناقلات الجند، وأعداد هائلة من جند المشاة يحاصرون حارة المنشية بحثاً عن القائد فلاح مشارقة،

وتم تشديد الحصار على بيت شقيق الشهيد الذي كان في عرينه ينتظر لقاء الله.

استمر الحصار من ساعات الفجر حتى المساء؛ حيث طلب منه الجنود الاستسلام إلا أنه رفض الخروج ذليلاً، فتمترس في

موقعه ودارت معركة مع جنود العدو استخدمت فيها مختلف الأسلحة الخفيفة، إضافة إلى قصف المنزل بصواريخ

موجهة وعدد هائل من القنابل اليدوية.

تمكن القائد مشارقة من إصابة عدد من الجنود، وبعد هدوء لمدة دقائق معدودة أدخل الجيش شقيقه إلى المنزل

للبحث عنه بين الأنقاض؛ فوجده مازال ينتظر الجنود باحثًا عن الشهادة رغم تعرضه لإصابات بالغة بسب الهدم، فقاموا

بهدم المنزل وتكثيف القصف على الشهيد وشقيقه (مفلح مشارقة)؛ مما أدى إلى إصابته بشظايا في الوجه والجسم

وحروق، كما أدخل الجنود عليه كلاباً مدربة فقام بقتل أحدها باستخدام السلاح الأبيض؛ مما دفع الجنود لإطلاق مزيد من

الصواريخ مع القنابل، وعندما تأكد الشهيد القائد فلاح من اقتراب ساعة الصفر وقف ليصلي صلاة العصر، ومن ثم

صلى على نفسه صلاة الجنازة، ونتيجة لاستمرار القصف ونفاد الذخيرة أصيب إصابة بالغة، فدخل بعض الشباب

لإخراجه من تحت الأنقاض بأمر الجيش، فوجدوه يردد عبارات يذكر فيها الله وتمتمات لم تفهم بسب غيابه عن وعيه.

نقل القائد فلاح مشارقة إلى مستشفى “بلنسون” في “بتاح تكفا” (مدينة ملبس) بالداخل الفلسطيني المحتل؛ حيث

مكث تسعة أيام في حالة صحية صعبة، ونتيجة للإهمال الطبي ارتقى إلى علياء المجد والخلود للقاء الله عز وجل، وذلك

يوم الخميس 23 أيلول / سبتمبر 2004م.

اقرأ أيضاً: طارد الشهادة بلا توقف حتى نالها.. الشهيد عبد الله أبو حسن

زر الذهاب إلى الأعلى