على الطريق

شهداء القدس والرسالة المكتوبة بالدم

خلود الشهداء يتمثل في الأثر الأزلي الذي يتركونه في واقع الأوطان والمجتمعات، في أولادهم، وعائلاتهم. يكتبون بدمائهم سجلاً سرمدياً لا تمحوه عوادي الزمان، وإن تناسته الذاكرة، ينبه العقل والروح ويعود الأثر إلى السطح ليتزود بمدلولاته البشر، ولا سيما المقاومون الذين يكرسون النفس من أجل قضية سامية، ويطمحون للشهادة سعياً خلف قضية سامية، لا لنزوة أوشهرة.dT7engLT9

في القدس التي تشهد لهيباً متواصلاً حكاية الشهداء الذين يصنعون بتضحياتهم، ودمائهم المسفوكة على يد المحتل الصهيوني، يصنعون مايمكث في الأرض، الانتفاضة التي تتوغل في العقول والقلوب وتنعكس ناراً على الاحتلال لا تخبو شعلتها…

في القدس فجرت دماء محمد أبو خضير وعبد الرحمن الشلودي، ومعتز حجازي وابراهيم عكاري وأخيراً غسان وعدي أبو جمل ثورة حقيقية لم تأخذ حقها في الإعلام، لكنها في الواقع أمواج متلاطمة دفعت سلطات الاحتلال إلى التخوف من عدم القدرة على تطويقها، بل سيطرت عليها الخشية من وصول هذه الأمواج إلى مختلف مناطق فلسطين، الضفة الغربية، والأراضي المحتلة عام 1948 ، أي تحول هذه الأمواج إلى تسونامي يضع الكيان الصهيوني ووجوده على كف عفريت. هذه هي قوة دماء الشهداء، وهكذا تكون…. يراها غير ذلك الرعديد والجبان والراجف واللاهث خلف تسويات ومصالحات مع الأعداء باحثاً عن مصالح أفراد وفئات مرضاة لوساوس شيطان الرذيلة الوطنية…..

لاشك أن قضية تحرير فلسطين من رجس الأعداء، إعادتها نقية طاهرة، هو ما يحفز الأبطال على التضحية، لكن قيمة القدس المعنوية والروحية لدى المسلمين والمسيحيين تدفع أيضاً إلى مزيد من التضحية والعطاء دفاعاً المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، فالأقصى المبارك نال ما ناله من انتهاك الحرمات والتدنيس بفعل اقتحامات اليهود الصهاينة الذين يتوافدون إلى الحرم القدسي زرافات زرافات بحراسة من جيش الاحتلال وشرطته وقوات امنه، والأماكن المقدسة المسيحية لم تسلم أيضاً من انتقام الصهاينة لأن الفلسطينيين المسيحيين كانوا في مقدمة المدافعين عن الأقصى، بل والمرابطين في داخله لأيام طويلة.

دماء الشهداء وصبر المرابطين في المسجد الأقصى صانت الأمانة في ظروف صعبة، وذبت عن مقدسات زهرة المدائن، وقادت كيري ونتنياهو إلى لقاء ملك الأردن من أجل البحث عن إجراءات توقف ماتمثله انتفاضة القدس من مخاطر على العدو الذي أُجبر على التراجع عن بعض الخطوات التي اتخذها في القدس، ومنها إغلاق الأقصى، وتحديد أعمار المصلين وتقييد أعمارهم.

من يصنع الفعل والتاريخ هو دماء الشهداء، وفي القدس، دماء أبو جمل وحجازي والشلودي وعكاري وأبو خضير ودماء المئات من جرحى المواجهات، هي من يصنع أفقاً جديداً ومختلفاً…. في قدس الشهداء وتضحياتهم دروس لأبناء فلسطين، ولأبناء الأمة قاطبة، تؤكد أن المستقبل للشعوب المكافحة وليس للخانعين، الذين يرون في مصالحة العدو والمساومة على الحقوق طريقاً للإنجاز، وماهو في الحقيقة إلا تشريع للإحتلال، وطعن لدماء الشهداء.

زر الذهاب إلى الأعلى