” شمس فلسطين ” الشهيد القائد محمود عرفات الخواجة … أبا عرفات
تزرعون فينا شوقا للرحيل….ترحلون بصمت ...وتبقى خباياكم سرا في تلك الأرض…التي ارتوت بدمكم الطاهر…وشذى عبقكم المتناثر…كيف لا وأنتم ملح الأرض…وندى الورد…أنتم نسمات الصبح … وحبات القمح …
ها هي الأغصان تتمايل وتهتز بلوعة أوراقها والشجر الأخضر تتسم جذوره وتتفتح أحداقها وتحجل الطيور شوقا ويزداد إبراقها ، لمن يا ترى كل هذا يتساءل العقل ، فيجيب القلب إنه محمود يا بهي الطلة وسخي الحلة بنور وجهك وعبير قلبك جئتنا مفعم بالحب يا محمود وها أنت بدمك المعطاء للأرض تجود، و بكلماتي أمدح في صبرك الصمود كنت ظلا للسائحين في نور الله ، كنت الكلمة الأولى في قاموس الحياة فكان اللقاء المرتقب والموعد المنتظر ، تتجلى فيك روعة الشهادة وعشق الورود
في مخيم البطولة ,, مخيم الشاطئ
ولد الشهيد محمود الخواجة في السابع والعشرين من شهر يناير لعام 1960م، على ساحل البحر الأبيض المتوسط نشأ وترعرع في أحضان أسرته التي هاجرت من قرية حمامة في العام 1948,ليستقر بها المقام في مخيم الشاطئ , ولتعيش كما الآلاف من الأسر الفلسطينية حياة ملؤها المعاناة والألم لغربتها عن موطنها الأصلي في ظل الأوضاع الصعبة للاجئين الفلسطينيين . وما إن تفتحت عينا الشهيد على الحياة حتى كان الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة في العام 1967 م ليشهد رفض والده العودة إلى عمله في الشرطة في ظل الاحتلال وكذا استشهاد عمه محمود , ليعي ابو عرفات ان لا عيش في حياة الذل والخضوع للاحتلال ويتغذى منذ نعومة أظافره على رفض الاحتلال ومقاومته .
انتماؤه ومشواره الجهادي
مع بداية ظهور الأفكار الجهادية والثورية في فلسطين على يد المفكر الإسلامي الدكتور “فتحي إبراهيم الشقاقي” كان الشهيد “محمود” من أوائل الذين آمنوا بتلك الأفكار وتشعبوا بذلك الطرح النموذجي، فأصبح الشهيد عضوا بارزاً في حركة الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية في الجامعة والتي ترأس قائمتها في انتخابات مجلس الطلبة بعد ذلك .
وعلى إثر نشاطه الطلابي ومشاركته الفاعلة اعتقل الشهيد للمرة الأولى لمدة شهر على يد قوات الاحتلال مع زملاء آخرين بتهمة حرق العلمين الصهيوني والأمريكي في الحملة الانتخابية لمجلس طلاب الجامعة الإسلامية . ولم يتوقف عطاء الشهيد على نشاطه داخل الجامعة بل امتد إلى مخيمه حيث نشأ فشارك في العديد من نشاطات الشباب المسلم في مساجد المخيم – الأبيض والغربي تحديداً – و دوره الطلائعي والتعبوي والبارز في نشر الفكرة الإسلامية والوعي الثوري، حينها تم اعتقال الشهيد مع مجموعة من إخوانه في العام 1983 م, ليقضي في السجن خمسة أشهر بتهمة التحريض ضد الاحتلال ونشر بيانات تدعو إلى تدمير الكيان . وقد ترك السجن أثرا بالغا في نفس الشهيد الذي تربى على الإيمان وحب الوطن والجهاد في سبيل الله , ذلك السجن الذي شهد اعتقال أبيه وأخيه من قبل . فخرج أبو عرفات من السجن وكله إصرار على مواصلة الجهاد ضد العدو بكل الوسائل الممكنة والمتاحة ,, وواصل الشهيد جهاده وإبداعه النضالي، فحاول الحصول على الس
لاح والمتفجرات , ولكنه ما لبث إن اعتقل ليقضي مدة محكومتيه البالغة أربع سنوات متنقلا في سجون الاحتلال وكان من نصيب والده أن اعتقل ستة أشهر على نفس القضية . وفيما بعد وسيرا على طريق الجهاد والنضال اعتقل الشهيد إدارياً لمدة ستة أشهر ليشكل ذلك الاعتقال الخامس في حياة الشهيد في ظل الاحتلال . ويزداد إصرار محمود والعنفوان، ويبقى الجهاد خطاً لا يمكن التقاعس عنه ولم يقتصر جهاد الشهيد القائد بنشاطه الدعوي، فكان لزاماً وواجباً على أبو عرفات أن يسعى لمجابهة الفكر الصهيوني المتغطرس، بشتى الوسائل لاسيما ذات العمل الجهادي الكبير، فكان له الشرف أن يؤسس الجهاز العسكري الأول للجهاد الإسلامي – قسم – بإيعاز مباشر من الدكتور فتحي الشقاقي ، لما رآه في محمود من مقدرة وكفاءة أمنية وعسكرية نادرة، فتهيأ الشهيد لقيادة خط النهوض والممانعة في مواجهة الإجرام الصهيوني، فكان من أبرز عملياته تلك التي أدت لمقتل ما يقارب الثلاثين جندي في تجمع لهم ببيت ليد المحتلة، والعديد من الهجمات العسكرية الناجحة وإرسال الاستشهاديين من زمان العشق والقسم.. علاقاته الأسرية كان شهيدنا أبو عرفات مثالا للعلاقة الأسرية أين استمدها من دينه المحمدي الحنيف , كان متواضعا يتدلل لأمه وأبيه , ويصل رحمه ويحبهم , حريص على أخواته يدعوهن دائما للصلاة وقراءة القرآن , , كان الزوج المثالي الحنون والرؤوف والطيب لزوجته، وقد رزق الشهيد بخمسة أطفال كان الأب المثالي لهم، يدعوهم لحب الله ومرضاته وحب الخير للجميع، وكان بمثابة الأب لإخوته وقاضي حوائجهم بسبب غياب أبيهم داخل السجون .
علاقاته الاجتماعية
كان الشهيد ابن مخيمه وقليلون هم الذين لا يعرفون الشهيد في حياته , فقد عرفه الطلاب في الجامعة على مقاعد الدراسة , وعرفه الأشبال والشباب في ساحات المساجد وحلقات الخير , كما عرفه أبناء مخيمه آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر , وقد كان
الشهيد ذو علاقات واسعة مع الكثيرين من أبناء شعبه على اختلاف توجهاتهم السياسية . وقد حرص الشهيد دوما أن يسود مخيمه الوئام والوفاق بين الفصائل العاملة على الساحة , لذالك شارك لعدة مرات في لجان الإصلاح وتسوية النزاعات بين الفصائل في ظل الانتفاضة . كما عرف الشهيد بحبه للمستضعفين وخدمة الجماهير , فكان متواضعا ومتفانيا في عمله في وكالة الغوث , وكان الصوت الهادر ضد الظلم والإجحاف عندما قامت الوكالة بفصل 25عاملا , تصدر للدفاع عن حقهم في العمل، هذا محمود، المحب والمعطاء، لا يبخل ولا يظلم، صدقاً كان حديثه، وحباً كان في قلبه للجميع
حبه للعلم بثقافته العالية، وذكاؤه الدراسي، هكذا عرف الشهيد، ليحصل في مشواره الدراسي على الشهادة العليا ” الليسانس ” من كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية – وبعد خروجه من المعتقل ورغم التزاماته الأسرية التحق الشهيد ببرنامج الدراسات العليا وحصل في العام1993م على “دبلوم عام التربية ”
الرجل الرياضي
تعلق الشهيد بالرياضة منذ كان شبلا في الجمعية الإسلامية ومارس رياضته في نادي الشاطئ الرياضي وخاصة رياضة كمال الأجسام ورفع الأثقال، فكان صاحب الجسم ذو القوام القوي والسليم . ولشدة حبه لها وتعلقه بها حرص على اقتناء أدواتها من ثم افتتح صالة رياضة لتدريب الناشئة، وفيما بعد خصص الجزء الأسفل من بيته لهذا الغرض .
عروج الروح ونيل الشهادة
بدأ نسيم العروج يلوح شذاه وحزنه في المخيم الأسطوري، وبدأ العبث يجول بين الشوارع الزقاق، وبعد مراقبات واستطلاع صهيوني بعيون الخيانة والسقوط، يعطُى الأمر بصب الحقد والصهينة على طهر الفداء وعبق النصر ، وجاءت لحظة الارتقاء في صباح يوم الخميس 24 محرم، الثاني والعشرين من شهر يونيو لعام 1995م، حيث يتوجه الشهيد الفذ إلى عمله، لتمتد أيادي الغدر إليه ، لتخرج مجموعة تابعة للموساد الصهيوني من سيارة خاصة بهم، لتصب حقدها وبشاعتها وغدرها في جسد فارس المقاومة والإباء ، متزامنة مع تحليق لطيران الاستطلاع الصهيوني في صباح ذاك اليوم الصعب، لترتقي الروح وتعرج نحو ملكوت العزة والنقاء، ويعلن الشقاقي والمخيم وكل طفل بأن محمود لم يمت، وسيبقى مخيمه وتلامذته شوكة في حلق كل صهيوني وحاقد ليرحل الجسد المكلل بالورود، وعلى أكتاف من أحبوه يرفع الجسد الطاهر، يا لوجع الأرض وحزنها، يا للطم السلاح وقهره، لن يعود محمود ويرشد هذا ويضحك لذاك، ولكن تبقى فيهم لوعة الاشتياق تجدد بهم عنفوان الصدق والانتصار لقد ترك محمود في نفوس من عرفوه وخاصة أولئك الذين ظنوا أن الشهيد قد ابتعد عن الجهاد حيث كان منعكفاً على نفسه ومبتعدا عن كل ما يتعلق بالجهاد الإسلامي من نشاطات , رغم أنه كان يتقرب أكثر فأكثر من قلب العمل العسكري حاملا روحه على كفه منتظرا الشهادة في كل لحظة , وقد علموا بعد استشهاده على لسان الأمين العام فتحي الشقاقي رضوان الله عليه أن محمود الخواجة هو القائد العسكري الأول للقوى الإسلامية المجاهدة قسم (الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ) , وهكذا ينضم شهيد جديد إلى قافلة الشهداء … مجاهدي فلسطين .. وعاشقي القدس … ودوما سيبقي المجاهدون شوكة في حلق بني صهيون ومن والاهم ولن تستطيع يد الغدر والخيانة أن تنال من صمودهم وإصرارهم . ولن يمت فينا محمود .
“وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ”
صدق الله العلي العظيم