دائرة الحدث 2021م – الجزء الثاني
اضاءة على بعض المحطات التي شهدتها الـقدس خلال 2021م - بقلم: إبراهيم أبو ليل
معركة سيف القدس: 10/5/2021 – 21/5/2021م
- غرفة المقاومة المشتركة تعلن إطلاق معركة سيف القدس 11/5/2021م (أكثر من 4000 صاروخ) استهدف مستوطنات الكيان.
- اغلاق عدد من مطارات وموانئ العدو بالإضافة لإغلاق حقل تمار للغاز (إحدى أهم مصادر الطاقة الرئيسية للكيان الصهيوني).
أمام إصرار سلطات الاحتلال على مواصلة مشروعها التهويدي واعتداءاتها على مقدسات القدس ومعالمها التاريخية، نهضت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وبادرت إلى إطلاق الصواريخ نحو مواقع قوات الاحتلال الصهيوني في 10 أيار 2021 دفاعاً عن القدس وأبنائها، في جولة جديدة من المواجهات العسكرية أطلقت عليها اسم “معركة سيف القدس”، تعبيراً عن الدخول في الصدام مع جيش الاحتلال بشكل مباشر وبكل قوة وشجاعة، كما لو أنه التحام مع العدو بالسيف والترس دون تردد، للذود عن القدس وحمايتها. ذلك أن القدس تتمتع بمكانة تاريخية ودينية لدى العرب (مسلمين ومسيحيين)، ولها أهميتها السياسية لدى الشعب الفلسطيني بوصفها عاصمة فلسطين، وهي بؤرة استهداف المشروع الصهيوني ونقطة البدء في السيطرة على المنطقة العربية وإخضاعها للهيمنة الغربية. فقد شكلت عامل استفزاز لمشاعر الفلسطينيين منذ بداية الصراع مع المشروع الصهيوني، إذ لم تكن الممارسات الصهيونية ضد الفلسطينيين جديدة، فهي منذ عشرات السنين تنفذ على الأرض، وتتراوح بين تدمير القرى والقتل والتشريد والاعتقال، وما يجري بشأن القدس وما فيها من مقدسات، ولا سيما المسجد الأقصى، هو الاستراتيجية الإيديولوجية المتبعة لمصادرة كل فلسطين من أهلها، ما يعني أن الصراع حولها هو صراع يتمحور حول معنى الوجود ومبرره. فالقدس أكثر من مجرد قطعة أرض وأعظم من مدينة. إنها قلب الصراع العربي الصهيوني، وعنوان الجهاد ضد الغزاة عبر التاريخ، وقبلة المجاهدين المؤمنين بقتال عدوهم والدفاع عن وجودهم وهويتهم.
أدت معركة سيف القدس إلى تقليص النشاط الاقتصادي الخارج للتو من أزمة الكورونا التي أدت بدورها الى تقليص الانتاج وزيادة كبيرة في العجز وقفزة في الدين العام. وقد تركت المعركة تداعياتها الاقتصادية من خلال التكلفة العالية التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي، والتي تم التعبير عنها بأثمان الذخيرة التي استخدمها الجيش الاسرائيلي (منها صواريخ الاعتراض، القذائف الدقيقة وقذائف المدفعية)، وتكلفة استخدام المنصات المختلفة (الطائرات القتالية والدبابات)، وتكلفة تجنيد القوات النظامية والاحتياط، وتشمل أيضاً تكلفة فقدان أيام عمل إغلاق أو عمل جزئي لمصانع ومحلات تجارية وانخفاض في الطلب، إضافة إلى إغلاق مطار بن غوريون وحقل تمار للغاز، بسبب اطلاق الصواريخ على المستعمرات الذي يعطي المستوطنين الحق في الحصول على التعويضات من سلطات الاحتلال، حيث اتسعت مساحة المناطق التي أعلن فيها عن حالة “وضع خاص” في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لأن زيادة مدى صواريخ المقاومة شملت منطقة الوسط التي يتركز فيها جزء كبير من النشاط الاقتصادي في الكيان الصهيوني، ما أدى إلى إلحاق الضرر بنشاطات الاقتصاد، إضافة إلى الضرر في المرافق العامة الذي نجم عن المواجهات بين فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 والسلطات الإسرائيلية في أماكن مختلفة.
على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي ينفذ المناورات بشكل مستمر استعداداً للحرب التي يحتمل وقوعها في أي وقت، إلا أن قادة الجيش يعترفون أنه على المستوى الاستخباراتي فوجئوا بمبادرة المقاومة إلى إطلاق الصواريخ في هذه الجولة، إذ اعتاد الجيش الإسرائيلي على أن يبدأ هو بالعدوان من أجل هدف معين يحدده المستوى السياسي. وتكمن هذه المفاجأة في الهدف الجيوسياسي الذي وضعته المقاومة للمعركة، من خلال تركيزها على القدس ووضعها في مركز الاهتمام الدولي، وإعادة القضية الفلسطينية إلى مكانتها الطبيعية بعد أن تراجعت في أجندات العديد من الدول خلال الأعوام العشرة الأخيرة.
وعلى الصعيد الإسرائيلي الداخلي، عمقت معركة سيف القدس الشرخ بين ما يرغبه الجمهور الإسرائيلي من الجيش وبين ما يتم إحرازه على مستوى عسكري تكتيكي واستراتيجي، إذ لم يعد الجيش قادراً على إغناء وتعزيز مخيلة الصهيوني بردع المقاومة وتحقيق هدف الحسم، ما يشير إلى تحول في العلاقة بين الجيش الذي يحركه مستوى سياسي آخذ في التآكل، والجمهور الذي يشعر بشكل متصاعد بأن الجيش عاجز عن الفعل والمبادرة والحسم، وعاجز حتى عن اجتراح صور النصر.
إضافة إلى ذلك، ساهمت معركة سيف القدس في إظهار حقيقة التطبيع القائم بين بعض الحكومات العربية والكيان الصهيوني، وأن الشعوب في هذه الدول لا مصلحة لها في التطبيع القائم ولا يعبر عن إرادتها، وترى في الكيان الصهيوني عدواً يهدف إلى تحقيق أطماع الاستعمار في المنطقة العربية. كما أن صورة الكيان الصهيوني تآكلت أمام الرأي العام، وباتت سياساته مفضوحة على مستوى العالم.
لقد أثبتت معركة سيف القدس أن المقاومة هي الأسلوب الناجع لمواجهة الاحتلال، والتصدي لاعتداءات المستوطنين اليهود وقوات الاحتلال على الشعب الفلسطيني، كما أكدت أنها السبيل الوحيد لتوحيد الشعب الفلسطيني وتمسكه بهويته الوطنية. ومهما حاول الصهاينة تشديد الحصار وارتكاب الجرائم وتدمير الممتلكات، إلا أنهم لن يوقفوا مقاومة الشعب الفلسطيني، ولن يصلوا إلى أهدافهم وغاياتهم البغيضة.
ويدرك قادة الاحتلال أن الجيش الإسرائيلي سيتكبد خسائر فادحة في الحرب القادمة وأن صواريخ المقاومة سوف تصل إلى مديات بعيدة في عمق الجبهة الداخلية، وسوف تطال المراكز الحيوية والحساسة في تل أبيب.