على الطريق

دائرة الحدث 2021م – الجزء الأول

اضاءة على بعض المحطات التي شهدتها الـقدس خلال 2021م - بقلم: إبراهيم أبو ليل

  • آذار: مخطط صـــــهيوني لإقامة مشروع تهــويدي في حي الشــيخ جـــــــــــراح.
  • نيسان: احتلال باب الــــــــعـــــــــــامود عســـكرياً، عقب ذلك القدس تنتفض (جاء رد الشعب الفلســطيني على زحف الاستيطــــان والتهــويد بانتفاضة جديدة).
  • أيلول: بلدية الاحتــــلال تهـــــــوّد أسماء شوارع تاريخية في الــــقـــــــدس.
  • تشرين الأول: تجــــــــريف المـــــــقبرة اليوسفــــــية.

يرتبط الاســــتــيطـــان الــــــصهيوني باستراتيجية الإحياء القومي والديني والجغرافي للــيهـود في فلسطين استناداً على الادعاءات الزائفة بأن لهم حقاً تاريخياً موروثاً فيها، وتحقيقاً لشعار «أرض بلا شـــــعب لشــــعب بلا أرض». وهو الشعار الذي استمدته الحركة الصهـــيونية من أفكار المــــبــشر البريطاني الذي يعتبر شخصية رئيسية في الصـــهيونية غير اليـــهودية (اللـــورد أيــــرل شافتسـيري السابع 1801-1885) الذي وضع أُسس العقيدة الصهــــيونية، وهو أبو فكرة تهـــــجير اليـــهود إلى فلسطين. وانطلاقاً من هذه الأفكار فقد بدأ الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر، واتبع نموذج السيطرة على الأرض من خلال إقامة المستعمرات الزراعية، ثم توسع بإقامة عدد كبير من المستعمرات اليهودية القروية والحضرية التي ازداد عدد سكانها بشكل سريع وسيطرت على موارد الأرض. وشكل هذا التوسع الجغرافي والعددي للاستيطان المستمر والمتصل جغرافياً أساساً لتقسيم فلسطين عام 1947.

ومنذ الأشهر الأولى لاغتصاب فلسطين، أقدمت السلطات الصهيونية على هدم وتدمير/ 478/ قرية فلسطينية في جميع أرجاء فلسطين لمنع عودة اللاجئين إلى بيوتهم، وقامت بتغيير أسماء القرى والبلدات الفلسطينية، حيث قامت بتغيير/ 560/ اسماً خلال ( 1950- 1953) كفعل متمم لما قامت به الحركة الصهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى اغتصاب فلسطين، عندما بدأت بإطلاق التسميات العبرية التوراتية على المستعمرات الصهيونية التي أقيمت على أنقاض القرى المهدمة، إذ غيرت المنظمات الصهيونية بين 1922- 1948 عدداً من أسماء المواقع بلغ /216/ موقعاً. وفي هذا الإطار أورد الدكتور شكري عراف في كتابه الذي حمل عنوان «المواقع الجغرافية في فلسطين الأسماء العربية والعبرية»، أن أكثر من ثمانية آلاف اسم لمواقع جغرافية فلسطينية بقي منها نحو خمسة آلاف موقع جغرافي وبضع مئات من الأسماء التاريخية، وقامت الحركة الصهيونية والحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة بعبرنة حوالي 90 في المئة من المواقع الجغرافية الفلسطينية. وتشير البيانات الموثقة لدى مركز الإحصاء الفلسطيني إلى أن العصابات الصهيونية سيطرت خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة، وارتكبت أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين، أدت إلى استشهاد ما يزيد عن/15/ ألف فلسطيني خلال فترة النكبة. ولم يسمح الصهاينة للاجئين بالعودة إلى بيوتهم وإلى أراضيهم، وصادروا ممتلكاتهم ومحوا قراهم ومنعوا أي ذكر لوجودها، حيث يؤكد الباحث الإسرائيلي «إيلان بابيه» في كتابه الهام «التطهير العرقي في فلسطين»، مفصحاً عن الممارسات الوحشية الصهيونية يقول: «إن فكرة التطهير العرقي ولدت مع نشوء الصهيونية التي خططت لتطبيق برنامجها في غضون ستة أشهر، لكنها تمكنت في كثير من الأحيان بأقل من ذلك بكثير». ويؤكد بابيه بالأرقام والدلائل على أن هذه السياسة المنهجية قد دمرت 530 قرية وأفرغت11 مدينة من سكانها. وبذلك يكون من أهم نتائج تلك الحرب حدوث انقلاب ديمغرافي في فلسطين، إذ تحولت الأغلبية العربية إلى أقلية – حوالي 18 في المئة – حين قامت عصابات الهاغاناه وجيش الاحتلال بارتكاب المجازر وعمليات الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين الأبرياء بشكل متعمد، نتج عنها تهجير نصف العرب آنذاك، واستبدلوا بمهاجرين يهود بالاعتماد على (الصندوق القومي اليهودي)، الذي أنشأته الحركة الصهيونية من أجل تهويد فلسطين عبر استملاك أراضيها وجعلها وقفاً أبدياً لليهود. فقد تم طرد حوالي 370 ألف فلسطيني في إطار « الخطة د » حتى تاريخ  1 حزيران 1948، بينما أدت المجازر الإجرامية التي نفذها الصهاينة إلى هروب الفلسطينيين الذين لم يتمتعوا بحماية عسكرية. وقد أصدرت السلطات الصهيونية (قانون العودة) الذي يسمح لكل يهودي يرغب بالهجرة إلى فلسطين مع توفير جميع الحقوق المدنية والاحتياجات اللازمة لبقائه. ووضعت قانون (الحاضر الغائب) لكي تمنع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم باعتبارهم غائبين.

   لقد فرضت سلطات الاحتلال على من بقي من الفلسطينيين قيوداً شديدة، حيث قررت حصر وجودهم في أماكن محددة وإجبارهم على ترك منازلهم ونقلهم إلى مناطق تشريد داخل الوطن، بغية عزلهم في تجمعات محددة تمهيداً للتخلص منهم، كما فرضت عليهم سياسة عنصرية، إذ لم تستطع أن تجردهم من أراضيهم فلجأت إلى وضعهم في خدمة الأقلية اليهودية وحرمتهم من أبسط حقوقهم الحياتية. من خلال تدمير بنيتهم الاقتصادية وربطهم بالاقتصاد «الإسرائيلي» بهدف تحويلهم إلى أيدي عاملة رخيصة وقوة احتياط للسوق «الإسرائيلية»، وفرضت عليهم ضرائب عالية وحرمت المدن والقرى العربية من عمليات التطوير والخدمات الملائمة. ولم تتوقف محاولات ضرب الهوية العربية وبترها عن ماضيها من خلال تهميش الثقافة العربية، وتحويل العرب إلى مجموعات من الأقليات العرقية والدينية المتصارعة بغية سلخهم عن شعبهم، ونزع الصفة القومية عنهم وفرض ثقافة صهيونية بديلة عليهم.

وقد جاءت القرارات الصهيونية كي تعطي الصفة الرسمية للإجراءات الاحتلالية العنصرية، بوصفها حلقة في مخطط التطهير العرقي، وهي بمثابة مقدمة لتنفيذ السياسة القديمة/الجديدة الهادفة إلى إبعاد وطرد المواطنين العرب من الأراضي المحتلة عام 1948، ومواصلة الجريمة الكبرى – نكبة الشعب الفلسطيني- التي ارتكبتها العصابات الصهيونية تحت سمع وبصر العالم أجمع ولا زالت مستمرة حتى اليوم. وعلى الرغم من العدوان الصهيوني المتواصل فقد ظل الشعب الفلسطيني المكابد متمسكاً بهويته الوطنية، يقاوم الاحتلال ويتصدى لآلته العسكرية ويدافع عن حقوقه بعزيمة لا تلين، مؤكداً ارتباطه التاريخي بفلسطين وحضارتها. وقد شكلت هذه الحقيقة رداً على ادعاءات الصهاينة الذين يهدفون إلى الحط من قدر الشعب الفلسطيني ويضعون مقاومته ومواجهته للاحتلال الصهيوني في خانة «الإرهاب»، ويعتبرون العرب بدائيين يلزمهم «التحديث». كما أن إصرار الشعب الفلسطيني على البقاء في أرضه وتحمله الممارسات الوحشية والجرائم التي ارتكبت بحقه، كشفت عن الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني الذي أراد أن يحول فلسطين إلى سجن كبير يمارس فيه أبشع صور اللاإنسانية من خلال العقاب الجماعي القائم على سياسة التمييز العنصري. وذلك بعد أن انتزع الشعب الفلسطيني الاعتراف بوجوده وفضح السلوك الصهيوني البغيض بوصفه سلوكاً ينطوي على جرائم حرب مستمرة ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، وجرائم ضد الإنسانية تخالف القوانين الدولية وتتناقض مع الشرائع الدينية وكل القيم التي تكافح من أجلها البشرية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى