حمزة العبادلة: شهيد المصحف والبندقية
الحديث عن الشهيد المجاهد حمزة العبادلة يثير الشجن، فهذا الرجل لم يختلف عليه اثنان، كان محبوباً من الجميع بلا استثناء، هادئ، لا يتحدث إلا لما فيه الخير والصلاح والسداد، فسيرته كلها توحي بحب الله لهذا الشاب الوسيم الجميل الهادئ المهذب القنوع، فصدق بحقه قول رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلم: (( إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل، إن الله تعالى يحب فلاناً، فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء،
ثم يوضع له القبول في الأرض )).
كان الشهيد حمزة قلبه معلق بالله، دائم الذكر وقراءة القرآن، وعمل في صفوف سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بسرية تامة، فكان عمله ضمن الوحدة الصاروخية، ولم يكن أحد يعلم بعمله ضمن صفوف سرايا القدس إلا القليل القليل من اقرب المقربين إليه، حتى أنه كان يشارك إخوانه في السرايا الفعاليات الخاصة وهو مرتدي القناع “اللثام”، لأنه كان يود أن يكون عمله خالص لله، فحظى بلقب “الرجل الملثم”، كما أن الشهيد حمزة كان في تجارته نعم التاجر الأمين الصادق مع الله ومع الناس في بيعه وشرائه، فكان من كرم الله له أن شرفه بالشهادة في سبيله، وهو يقرأ القرآن في حديقة منزلهم في شهر رمضان.
ميلاد مجاهد
ولد الشهيد المجاهد حمزة حسن العبادلة في منطقة القرارة شرق محافظة خان يونس بتاريخ 20/ 3/ 1985م، لأسرة فلسطينية مؤمنة ملتزمة متواضعة تعلقت بالأرض وتشبثت بها، وتتكون أسرة شهيدنا من والدته واثنا عشر فرداً ست أبناء وست بنات، وكان الشهيد ترتيبه الثالث بين الأخوة، وتوفى الله والده قبل استشهاده بثلاثة أشهر.
وتميز شهيدنا حمزة منذ صغره بعطفه وحنانه، فالمحبة أسلوبه في الحياة، والتفاهم نافذته المشرعة لهموم الآخرين وأحزانهم، ليُسدل عليها نفحاتٍ من الطمأنينة والسكون في وقتٍ يتأرجح فيه القلب بين الوجع والحسرات، ولأنه المجاهد الحامل في نفسه الفطرة الطاهرة، كان المطيع لوالديه، المتجنب لغضبهما، مظهراً احترامه وحبه لهما دوماً، فكان يقضي معظم أوقاته في خدمة والدته التي يقطن معها في منزل العائلة مع أشقائه، فكانت تلك اللحظات زاخرة في حياته تعكس في داخله الإنسان المحمدي الأصيل.
تلقى شهيدنا حمزة دراسته للمرحلة الابتدائية والإعدادية في مدرسة القرارة، وفي إجازته الصيفية كان يفضل تعلم حفظ كتاب الله في مسجد “الإيمان”، وفي ذلك الوقت كان حريصاً على المشاركة في انتفاضة الأقصى حيث كان يتوجه مع رفاقه لحاجز “محفوظة” البائد ليلقي الحجارة على جنود الاحتلال ، وأكمل دراسته للمرحلة الثانوية بمدرسة القرارة الثانوية حيث اجتازها بنجاح، ليلتحق بعدها بجامعة القدس المفتوحة لمدة عام، لكن الأجواء التي كانت تسود قطاع غزة لم تشجع حمزة على مواصلة دراسته الجامعية، فتوجه للعمل في قطاع التجارة والزراعة.
الزاهد البار
يقول شقيقه “محمد” في سياق حديثه لـ”الإعلام الحربي” عن أخلاق شقيقه :” لقد كان أخي باراً مطيعاً محباً لوالديه حنوناً عليهم، حريصاً على فعل كل ما يمكن أو يوفر لهم السعادة”.
ويضيف:” كان رحمه الله ملتزماً منذ صغره في مسجدي “الإيمان” حتى أصبح الالتزام السمة الغالبة في سلوكه وتعامله مع أهله وجيرانه وكل من عرفه”.
عاش شهيدنا حمزة حياة الزاهد في الدنيا المقبل نحو وعد الله، فكان إذا إصابته مصيبة يصبر ويحتسب عند الله، وإذا أصابه خير يفرح ويحمد الله على نعمته وفضله، حريصاً على إسعاد الأسر الفقيرة لو بالجزء اليسير من رزقه الذي يعتاش منه من خلال عمله في التجارة.
رحلة الدم والشهادة
حرص الشهيد حمزة منذ انضمامه إلى صفوف حركة الجهاد الإسلامي ان يجعل عمله وانتمائه لهذه الحركة المجاهدة خالصاً لوجهه الكريم، حريصاً على سرّيته لضمان نجاحه وابتغاء الأجر من الله، فكان استشهاده بمثابة صدمة أصابت الجميع الذين تفاجئوا بسماع نبأ استهدافه من قبل طائرات الاحتلال الصهيوني بمعركة البنيان المرصوص.
ثم كان انضمامه إلى صفوف سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد، وخلال فترة انضمامه تلقى شهيدنا العديد من الدورات العسكرية، التي أهلته لأن يكون من الجنود المرابطين على الثغور، وحظى حمزة بشرف المشاركة في الرباط على الثغور، وقد تحدث العديد من رفاقه عن بطولاته وشجاعته في إعداد العدة لمواجهة الاحتلال الصهيوني رغم عمره القصير في صفوف سرايا القدس، حيث كان يسابق الليل بالنهار مع إخوانه لمواجهة غطرسة العدو الصهيوني وعنجهيته.
ويقول المجاهد في سرايا القدس “أبو مصعب”، أحد رفاق الشهيد:” التحق الشهيد حمزة بصفوف حركة الجهاد الإسلامي في سن مبكر، ونظراً لما كان يتميز به حمزة من حِس أمني فريد، وسرّية منقطعة النظير، تم اختياره للعمل في صفوف سرايا القدس في مجال “الوحدة الصاروخية”.
وأكمل حديثه قائلاً:” كان حمزة نعمَّ العبد المؤمن المخلص في جهاده ضد بني يهود، فكان رحمه الله يحرص على الرباط والاعتكاف، والتفقه في الدين وقراءة سيرة الرسول وسير الصحابة وخاصة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليه”.
قصة استشهاده
ويستطرد أبو مصعب:” كان حمزة يدعو الله دوماً في السرِّ والعلن أن ينال الشهادة في سبيل الله مقبلاً غير مدبر، حيث كان يحرص على قيام الليل وصيام النوافل، فكان دوماً يناجي الله في مواطن الرباط على الثغور أن يمكنه الله من نيل إحدى الحسنيين، حتى جاء عصر يوم الخميس الموافق17 /7/ 2014م، في العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل، حيث كان شهيدنا “حمزة” يقرأ القرآن في حديقة منزله، فتم استهدافه بصاروخين أطلقتهما طائرة استطلاع صهيونية أصابته إصابة مباشرة استشهد على اثرها على الفور، ليلقى الله ورفاقه كما تنمى دوماً فهنيئاً لك الشهادة ولرفاقك وكل الشهداء ولا نزكي على الله احد، ووجد كتاب القرآن مفتوح على سورة المائدة.