شهداء فلسطينقصص الشهداء
حادث الشاحنة الصهيونية في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1987
دهست شاحنة صهيونية يقودها صهيوني من أشدود سيارة يركبها عمال فلسطينيون من جباليا-البلد متوقفة في محطة وقود، مما أودى بحياة أربعة أشخاص وجرح آخرين.
وقد اكتفت الإذاعة بإعلان الخبر دون أن تركز عليه لأنه كان عبارة عن حادث يشبه العديد من الحوادث المماثلة.وقد أُشيع آنذاك أن هذا الحادث كان عملية انتقام من قبل والد أحد الإسرائيليين تم طعنه قبل يومين حتى الموت بينما كان يتسوق في غزة، فاعتبر الفلسطينيون أن الحادث هو عملية قتل متعمد.في اليوم التالي وخلال جنازة الضحايا اندلع احتجاج عفوي قامت الحشود خلاله بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الصهيوني بجباليا-البلد فقام الجنود بإطلاق النار دون أن يؤثر ذلك على الحشود.
وأمام ما تعرض له من وابل الحجارة وكوكتيل المولوتوف طلب الجيش الإسرائيلي الدعم. وهو ما شكل أول شرارة للانتفاضة. ولكن هذه الحادثة كانت مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير، لأن الانتفاضة اندلعت بعد ذلك بسبب تضافر عدة أسباب. الأسباب البعيدة للانتفاضة إذا كانت الانتفاضة قد اندلعت بسبب قتل أربعة فلسطينيين، فإن هناك أسبابا عميقة لها تتمثل فيما يلي: عدم تقبل الاحتلال الإسرائيلي: حيث أن الشعب الفلسطيني لم يتقبل ما حدث له بعد حرب 1948، وبالذات التشريد والتهجير القسري وكونه يتعرّض لممارسات العنف المستمرّة والإهانات والأوضاع غير المستقرّة في المنطقة. علاوة على الجوّ العامّ المشحون والرغبة في عودة الأمور إلى نصابها قبل الاحتلال كما أن معظم شعوب العالم لم ترض باحتلال قوّة أجنبيّة للأرض التي كانوا يعيشون عليها منذ آلاف السنين.
تردّي الأوضاع الاقتصادية: بعد حرب الأيام الستة فُتح للفلسطينيين باب العمل في إسرائيل مما سمح للاقتصاد المحلي بأن يتطور ولكن سرعان ما تدهورت الأوضاع إذ بدأ الفلسطينيون يتجرعون إذلالات يومية وبدأت ظروف العمل تتدهور. أضف إلى ذلك التمييز بخصوص الأجور إذ بالنسبة لنفس العمل يتقاضى الفلسطيني أجرا يقل مرتين عن نظيره الإسرائيلي كما كان يمكن طرد العامل الفلسطيني دون دفع أجره. كما كان الفلسطيني مطالبا بتصاريح للتنقل من الصعب الحصول عليها، بالإضافة إلى عمليات التفتيش اليومية التي يتعرضون لها في بيوتهم. كان يتم كذلك خصم 20% من المرتبات على أساس أنها ستصرف على الضفة والقطاع ولكن بدل ذلك كانت تمول المصاريف العامة الإسرائيلية. على الصعيد القيادي، لم تكن القيادة الفلسطينية في المنفى على علم كامل بأوضاع الفلسطينيين في الداخل ولا بمعاناتهم ولم تكن تطرح الحلول لمساعدتهم. وكانت منظمة التحرير في تونس تعمل على إنشاء محور عمان-القاهرة لحماية ياسر عرفات عوض العمل على إيجاد حل لقضية اللاجئين أو الفلسطينيين. إلحاق القدس: احتلت إسرائيل القدس سنة 1967 ثم أعلنتها عاصمة أبدية لها، مع ما صحب ذلك من إجراءات من بينها تقنين الدخول إلى الحرم الشريف وأماكن العبادة الإسلامية.
كما تم الاستيلاء على عدد من الأراضي لترسيخ فكرة القدس كعاصمة غير قابلة للتقسيم من خلال بناء المستوطنات بها. كان الجنرال موشيه دايان يهدف كذلك من خلال بناء المستوطنات إلى الاستيلاء على الأراضي فلسطينية بطريقة متخفية ودعمه الليكود وحزب العمال الإسرائيلي في ذلك لأنه سيؤدي إلى قيام دولة إسرائيل الكبرى. بالإضافة إلى استعمال مصادر المياه الموجودة داخل الأراضي المحتلة لفائدة المستوطنين. على الصعيد العربي، لم يكن القادة العرب يأبهون بما كان يحدث للفلسطينيين – بعكس المثقفين والشعوب العربية – وهو ما كان وراء خيبة هؤلاء من القمم العربية التي كان تضع القضية الفلسطينية في آخر اعتباراتها، وحتى عندما تناقشها فلم تكن تقدم لها أية حلول. تمثل الانتفاضة فشلا للجهاز القيادي الإسرائيلي الذي لم يكن منتبها إلى الغليان الفلسطيني بالرغم من التحذيرات التي أبداها عدد من السياسيين كوزير الخارجية السابق أبا إيبان الذي كتب في نوفمبر من عام 1986، أي قبل سنة من الانتفاضة: “إن الفلسطينيين يعيشون محرومين من حق التصويت أو من حق اختيار من يمثلهم. ليس لديهم أي سلطة على الحكومة التي تتحكم في أوضاعهم المعيشية.
إنهم يتعرضون لضغوط وعقوبات ما كان لهم أن يتعرضوا لها لو كانوا يهودا إن هذه الحالة لن تستمر دون أن يؤدي ذلك إلى انفجار”. الإنقاص من أهميتها اجتمع عدد من العسكريين في موقع جباليا الذي هاجمته الحشود الفلسطينية خلال الجنازة.
وأمام حجم حركة الاحتجاج طلب الاحتياطيون الدعم، لكن المشرف على الإقليم رد بأنه لن يحصل أي شيء، وأضاف بأن الحياة ستعود إلى طبيعتها في الغد ولم يتم القيام بطلب أي دعم أو إعلان حظر تجول. لكن الاضطرابات لم تهدأ في اليوم الموالي، ورفض أغلب السكان التوجه إلى أماكن عملهم كما قام طلبة الجامعة الإسلامية في غزة بالتجول في الشوارع داعين الناس إلى الثورة. في حين أراد أفراد الجيش استعمال القوة لتفريق الحشود ولكنهم وجدوا أنفسهم تحت وابل من الحجارة. وقد تمكن بعض الشبان الفلسطينيين من الصعود على السيارات العسكرية وهو ما كان يرعب سائقيها فيزيدون في السرعة. وقد تم رمي ثلاثة زجاجات حارقة أصابت اثنتان منها الهدف واشتعلت النار في إحدى السيارات العسكرية. وبعدما تبين أن إطلاق النار في الهواء لا يؤثر على الحشود الهائجة، أمر الملازم عوفر بإطلاق النار على أرجل كل من يقترب. وعندما وصل إسحاق موردخاي المسؤول عن منطقة الجنوب إلى موقع الجيش قام بعزل عوفر من مهامه بسبب قناعته أن المواجهة بين الجيش الإسرائيلي من جهة والحشود الفلسطينية من جهة أخرى هي سبب الاضطرابات في قطاع غزة.
الضحايا تقدر حصيلة الضحايا الفلسطينيين الذين قضوا على أيدي القوات الصهيونية أثناء انتفاضة الحجارة بحوالي 1,162 شهيد، بينهم حوالي 241 طفلا ونحو 90 ألف جريح ومصاب و 15 ألف معتقل فضلاً عن تدمير ونسف 1,228 منزلاً، واقتلاع 140 ألف شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية، أما من الجانب الإسرائيلي فقتل 160، منهم 5 فقط من الأطفال. تم اعتقال ما يقارب من 60,000 أسير فلسطيني من القدس والضفة والقطاع وعرب الداخل بالإضافة للأسرى العرب. لاستيعاب هذا العدد الهائل من الأسرى اضطرت إسرائيل إلى افتتاح سجون، مثل سجن كتسيعوت في صحراء النقب والذي افتتح في عام 1988.
Aa