المغربي الذي قاتل في صفوف الثورة الفلسطينية واستشهد دفاعا عنها
كانت رحلته طويلة منذ ميلاده بعد النكبة بسنة واحدة في مدينة بركان، مروراً بفرنسا، ثم العراق، فالأردن وسوريا، ثم لبنان وفلسطين، لتنتهي في بيروت ذات يوم بارد من سنة 1983، على طريق فلسطين
تخفي ذاكرة المنطقة في طياتها سيَر كثيرين من العرب الذين استشهدوا خلال دفاعهم عن فلسطين، ومن هؤلاء الفدائي المغربي الذي التحق بصفوف الثورة الفلسطينية بعد حرب 1967، الشهيد المفقود حسن بن الطيب، المولود سنة 1949 في حي السلام في مدينة بركان، شمال شرق المملكة، أي بعد سنة واحدة على نكبة فلسطين. في ذلك العام، كان المغرب يرزح تحت سياط الاحتلال، فيما أتى الطيب من أب وأمّ جاءا إلى بركان من دوار وكوت في منطقة بني يزناسن الأمازيغية المعروفة بمقاومتها الشرسة للاستعمار.
تابع حسن دراسته خلال الطفولة في إحدى مدارس بركان حتى نهاية التعليم الإعدادي، قبل أن يصبح تقنياً في الكهرباء، وجعل منها مهنته المفضلة. «لم يكن له انتماء سياسي محدد»، يؤكد شقيقه عبد القادر، الموظف المتقاعد في وزارة الفلاحة، الذي يكبره بسنتين، «لكن نباهته واهتماماته كانت واضحة». يضيف عبد القادر: «بينما كان يحلق رأسه ذات مرة، وهو يتجاذب أطراف الحديث مع صديقه الحلاق صالح بعد نكسة 1967، بادره الأخير بالسؤال: لمَ لا تهاجر للجهاد في فلسطين؟ فرد عليه حسن قائلاً: أتمنى أن يكتب لي الله ذلك». قصة لا تزال عالقة في ذاكرة شقيقه، ويحكيها الحلاق صالح دائماً بعدما علم بالتحاق حسن بصفوف الثورة الفلسطينية.
لم يمض وقت طويل حتى كانت هجرة حسن إلى فرنسا من أجل العمل مدخله لتحقيق ذلك الحلم. عندما وصل إلى حي باربيس الشهير في العاصمة الفرنسية، لم يكن قد تجاوز العشرين. في ذلك الحي، المعروف بوجود جالية عربية كبيرة فيه، وخاصة تلك المنحدرة من منطقة المغرب العربي الكبير، اشتغل في إحدى الشركات المتخصصة في غسيل القطارات.
وبعد انتصار الثورة الجزائرية والنقاش الحامي الذي خلّفه حراك أيار 1968، جاء لقاء الطيب بمجموعة من المناضلين العرب الذين كانوا يساندون القضية الفلسطينية عبر أنشطتهم في إحدى لجان دعم المقاومة، وقرر الالتحاق بتلك اللجنة في تلك اللحظات. ومعظم الشهادات تشير إلى أن من أدى الدور الكبير في ذلك كان المناضل الجزائري الشهيد محمد بودية الذي كان أحد أبرز قادة «منظمة أيلول الأسود»، ورفيق الرئيس بن بلة، وسعيد السبع (أول ممثل لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» في الجزائر ومحرر بيان «اللاءات الثلاث» الشهير في قمة الخرطوم العربية مع كل من أحمد الشقيري وشفيق الحوت).
وبودية ارتبط بصورة وثيقة بالشهيد وديع حداد، وكان له باع في إقناع عدد من المناضلين العرب والأجانب بالالتحاق بالثورة الفلسطينية، من ضمنهم المغربيتان الشقيقتان نادية وغيثة برادلي، كما أدى دوراً أساسياً في تطوير وعي كل من الراحلَين بوجميع أحكور والعربي باطما بالقضية الفلسطينية بعد مكوثهما معه أشهراً في باريس، وكانا على وشك الالتحاق بقواعد الثورة للمشاركة في الكفاح المسلح، كما يحكي ذلك الراحل باطما في حوار منشور مع الدكتور بدر المقري. حتى إن «مجموعة ناس الغيوان» أَهدت الشهيد بودية مجموعة من الأسطوانات تحت اسم «فلسطينيات»، وخاصة تلك التي تتضمن أغاني «يا صاح»، و«مزين مديحك» و«غير خذوني»، بعد اغتياله على يد «الموساد» في باريس سنة 1973.
العراق… ثم لبنان
كان العراق أول محطة للشهيد حسن، وبينما تتابعت محطات أخرى فإنها انتهت في لبنان، إذ لم تعرف عائلة الطيب بخبر التحاق ابنها بالثورة الفلسطينية إلا بعد سنوات، حين تسلمت بطاقة بريدية من لبنان مطلع السبعينيات تحمل اسمه دون تفاصيل. وبعد مدة كانت زيارته الأولى للمغرب (من ضمن ثلاث أو أربع زيارات)، وقد استقبلته العائلة كاملة في مطار وجدة لتكتشف شخصية أخرى لم تكن تعرفها عنه في السابق. «لقد أصبح يتكلم بطريقة أخرى، شخصية تنضح لياقة وذوقاً في طريقة حديثه، مثلما أصبح صاحب ثقافة ورؤية واسعة للقضايا والأحداث على نحو لم نعهده فيه من قبل، ما جعل العائلة منبهرة بالصورة الجديدة التي أصبح عليها حسن»، يحكي عبد القادر.
وخلال وجوده في العراق الذي كان يحتضن الكثير من قواعد التنظيمات الفلسطينية، وفي مقدمها حركة «فتح» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، أعلن آنذاك تأسيس «جبهة التحرير العربية» التي كانت تنظيماً فلسطينياً يحمل مرجعية حزب «البعث العربي الاشتراكي» الذي قرر في مؤتمره التاسع المنعقد في تشرين الأول 1968 إطلاق تنظيم فلسطيني مقاوم يستطيع استيعاب الشباب العرب المتدفقين على بغداد في ذلك الوقت.