شهداء فلسطين

القائد محمود الخواجة في ذكرى استشهاده

الميلاد والنشأة:

ولد الشهيد القائد محمود عرفات الخواجة في مخيم الشاطئ بتاريخ 27 كانون الثاني 1960م ونشأ وسط أسرة مجاهدة،

هاجرت من قرية حمامة عام 1948م ليستقر بها المقام في مخيم الشاطئ، ولتعيش حياة مليئة بالألم والمعاناة كما كل

الأسر المهاجرة التي سلب الصهاينة أراضيها.

تلقى تعلميه الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة الغوث للاجئين، وأكمل تعليمه الثانوي في مدرسة فلسطين الثانوية

“القسم العلمي”، ثم تلقى تعلميه الجامعي في الجامعة الإسلامية بغزة، وحصل على درجة الإجازة العلمية، وبعدها

التحق بالدراسات العليا وحصل على “دبلوم عام التربية”.

نشأ الشهيد محمود على الإباء والتحدي بعد استشهاد عمه على يد الاحتلال الصهيوني لتكون هذه الحادثة من بواكير

الدوافع النفسية له ليخوض معركته ضد المحتلين الصهاينة.

مسيرته الجهادية:

مع بداية ظهور الأفكار الجهادية والثورية في قطاع غزة على يد المفكر الدكتور فتحي الشقاقي، كان القائد محمود

الخواجة من أوائل الذين آمنوا بتلك الأفكار وتشبعوا بذلك الطرح الجهادي، فأصبح الشهيد محمود عضواً بارزاً في حركة

الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية في الجامعة، فترأس كتلة المستقلين الطلابية بالجامعة الإسلامية في غزة،

بالإضافة لذلك مسؤولاً للجهاد الإسلامي في مخيم الشاطئ.

ولنشاطه المتميز كان الشهيد الخواجا من أوائل المعتقلين في عام 1983م؛ حيث حكم عليه بالسجن لمدة خمسة شهور،

وكان قبلها قد اعتُقِل لمدة شهر مع آخرين بتهمة حرق العلمين الصهيوني والأمريكي في الجامعة الإسلامية.

كما اعتُقِل للمرة الثالثة على يد الاحتلال الصهيوني في عام 1985م، وحكِم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة حيازة

أسلحة، وكان من نصيب والده أن اعتقِل ستة أشهر على نفس القضية.

واعتقِل الشهيد في المرة الرابعة لعدة أيام، وبالإضافة لذلك اعتقل بعدها -في حزيران/ يونيو 1993م- مرتين على يد

سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود؛ ضمن الاعتقالات التي شهدتها الساحة الفلسطينية إثر العمليات الاستشهادية

التي ينفذها المجاهدون.

علاقاته الاجتماعية:

كان الشهيد ابن مخيمه وقليلون هم الذين لا يعرفون الشهيد في حياته، فقد عرفه الطلاب في المساجد كما عرفه أبناء

مخيمه آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وقد كان الشهيد ذا علاقات واسعة مع الكثيرين من أبناء شعبه على اختلاف

توجهاتهم السياسية.

بالإضافة لذلك حرص القائد محمود الخواجة دوماً أن يسود مخيمه الوئام والوفاق بين الفصائل العاملة على الساحة،

لذلك كان يشارك في لجان الإصلاح وتسوية النزاعات بين الفصائل في ظل الانتفاضة.

كما عرف الشهيد بحبه للمستضعفين وخدمة الجماهير، فكان متواضعاً ومتفانياً بعمله في وكالة الغوث، وكان الصف

الهادر ضد الظلم والإجحاف عندما قامت الوكالة بفصل 25 عاملاً من عمالها، فتصدر الدفاع عن حقهم في العمل

وواصل جهوده إلى أن عادوا جميعاً إلى العمل بفضل الله.

بالإضافة لذلك عرف الشهيد القائد محمود الخواجا بحبه لرياضة كمال الأجسام ورفع الأثقال، ولشدة تعلقه بها حرص

على اقتناء أدواتها، ومن ثم افتتح صالة رياضية للتدريب.

العمل العسكري:

كان الشهيد القائد محمود ذا باع طويل في العمل الإسلامي منذ بداية نشأته، فترأس كتلة المستقلين الطلابية في

الجامعة الإسلامية بغزة، ثم كان عمله الأهم والأكبر بتأسيس وقيادة الجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في

فلسطين “القوى الإسلامية المجاهدة (قسم)”، ونفذت في عهده وبمشاركته وتخطيطه أضخم العمليات العسكرية في

فلسطين، وخلال فترة وجيزة نسبياً سجل الجهاز العسكري للجهاد الإسلامي -بقيادة الشهيد القائد محمود الخواجا-

إنجازات هامة عبر عملياته العسكرية النوعية، خاصة تلك العمليات الاستشهادية الأولى من نوعها في تاريخ النضال

والجهاد الفلسطيني.

ومن أبرز العمليات العسكرية التي خطط وشارك في توجيهها الشهيد القائد محمود الخواجة:

(1) عملية أسدود البطولية: والتي نفذها الشهيد علي العيماوي من مخيم الشاطئ على محطة تجمع للجنود الصهاينة

في أسدود بتاريخ 7/4/1990م؛ بسلاح رشاش فقتل اثنين من الضباط أحدهما “مسؤول أمن المستوطنات” في قطاع

غزة، وجرح ما لا يقل عن عشرة آخرين، وقد أشرف الشهيد الخواجا مباشرة على تدريب الشهيد العيماوي على إطلاق النار

وفن المواجهة فأحسن التدريب، ولشدة حب الشهيد القائد محمود الخواجة للشهيد علي، فقد جعل اسم طفله الرضيع

(علي) تيمناً بالشهيد المجاهد علي العيماوي.

(2) عملية نتساريم الاستشهادية: التي نفذها الشهيد المجاهد هشام حمد من حي الشيخ رضوان على تجمع عسكري

للصهاينة بالقرب من مفترق البوليس الحربي في وسط قطاع غزة قرب مغتصبة نتساريم؛ بواسطة دراجة هوائية

مملوءة بالمتفجرات والعبوات الناسفة، وأدت العملية الاستشهادية إلى مقتل ثلاثة جنود صهاينة، وإصابة ستة آخرين ما

بين خطيرة ومتوسطة، وذلك بتاريخ 11/11/1994م، وقد جاءت العملية الاستشهادية رداً على اغتيال الشهيد المجاهد

هاني عابد الذي اغتيل في الثاني من الشهر نفسه على أيدي الموساد الصهيوني.

(3) عملية بيت ليد المزدوجة: لقد كانت ومازالت عملية بيت ليد الكابوس الذي يقض مضاجع قادة الكيان الصهيوني

وجنودهم الجبناء، وفي تفاصيل العملية توجه الشهيد أنور سكر مع رفيق دربه الشهيد صلاح شاكر (الصاروخ المزدوج)

بتاريخ 22/1/1995م؛ ليفجرا أجسادهما الطاهرة وسط أكبر تجمع للجنود الصهاينة ثم يرتقوا إلى العلا، وأعلن العدو حينها

عن مقتل اثنين وعشرين صهيونياً، وإصابة أكثر من ستين بإصابات بالغة.

(4) عملية كفار داروم الجهادية: التي نفذها الشهيد خالد الخطيب بتاريخ 9/4/1995م؛ باقتحام سيارته المفخخة لسيارة

باص تقل جنوداً صهاينة، وقد أسفرت العملية عن مقتل 8 جنود صهاينة وإصابة 40 آخرين.

مما لا شك فيه أن قيادة الشهيد القائد محمود الخواجا لـ “قسم” تميز بالحزم والشدة، والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة.

تفاصيل الاغتيال:

كان الشهيد القائد محمود الخواجة على موعد مع الشهادة، فقبل أيام من استشهاده اصطحب أولاده لزيارة مقبرة

الشهداء، وفي اليوم الأخير قبل استشهاده توجه على غير العادة لزيارة العديد من أقربائه، وكذلك أهله وإخوته، وفي

صباح يوم الاغتيال أخبر زوجته أنه رأى في المنام ثلاثة مقنعين يطاردونه.

يوم الاغتيال كانت الشوارع شبه خالية صباحاً إلا من عدد من طلبة الثانوية العامة الذين كانوا متوجهين لتأدية

الامتحانات في مدرسة قريبة، وذلك يوم الخميس الموافق 22/06/1995م، حيث توجه محمود الخواجا لعمله، لكن يد

الغدر والخيانة امتدت لتصيب ذلك الفارس برصاصات غادرة، وتأكيداً للدور الموسادي في عملية الاغتيال؛ حلقت طائرة

عسكرية صهيونية فوق مخيم الشاطئ ما يقارب نصف ساعة قبل اغتياله، فيما كان المجرمون الثلاثة ينزلون من سيارة

بيجو (404) حسب شهود العيان ليصوبوا نيران أسلحتهم الحاقدة والكاتمة للصوت باتجاه البطل المجاهد؛ حيث أصيب

بتسع رصاصات اخترقت إحداها الرأس ما بين الحاجبين والثانية أسفل عينه، فيما اخترقت الثالثة رقبته وتوزعت باقي

الرصاصات في صدره.

وهكذا ارتقى الشهيد القائد محمود الخواجا إلى العلا بعد أن لبى نداء ربه بأداء الواجب، فكان نبراساً يضيء وشعلة لا

تنطفئ، تقتبس منه الأجيال لتواصل السير على دربه والجهاد في الله حق جهاده.

لقد رحل الشهيد القائد وحيداً، لكنه أنشأ من بعدة جيلاً كاملاً ومدرسة عسكرية فريدة رغم قلة الإمكانيات والعدة، كما

قدم الأجمل والأروع في أعماله الجهادية؛ حيث قدم كل الممكن رغم المستحيل، وبالإضافة لذلك حقق للمقاومة وللحركة

تاريخاً عسكرياً يفخر به جميع أبناء فلسطين، والمقاومة.

زر الذهاب إلى الأعلى