القائد العام الأول لكتائب القسام ياسر النمروطي في ذكرى استشهاده
المولد والنشأة:
ولد القائد ياسر النمروطي عام 1964م؛ قبيل النكسة بثلاثة أعوام في مخيم خانيونس للاجئين في غزة، كان شاهداً على
إجرام المحتلين وسياساتهم تجاه الشعب الفلسطيني، الأمر الذي جعله يتوق إلى ذلك اليوم الذي يشتد فيه عوده ليصبح
قادراً على حمل السلاح، ويحارب العدو الذي هجر أجداده عام النكبة، ونكّل بهم بعد النكسة.
شارك إخوانه في جميع أنشطة المسجد الدعوية والأعمال التطوعية وكذلك الأنشطة الرياضية والثقافية ومسابقات
حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم مضى في معاهد التعليم المهني ينشر رسالة حركة “حماس” وينظر لها.
القائد المُضحي:
كان الشهيد القائد ياسر النمروطي المُكنى بـ ”أبي معاذ” من أولئك القلائل الذين ارتفعت بهم راية الجهاد على أرض
فلسطين، ومن أحد الفرسان العظماء الذين امتطوا صهوة خيل المقاومة ورجال الرعيل الأول لكتائب القسام، فهو القائد
المُضحي، والبطل الذي وهبَ حياته من أجل كرامة شعبه وأمته.
كما أخذ على عاتقه تنظيم الجناح العسكري لحركة “حماس” وبناءه ليكون قادراً على مواجهة العدو، متحملاً في سبيل
ذلك كل الصعاب، ومستعداً في الوقت ذاته بالتضحية ليظفر بشرف الشهادة في سبيل الله تلك الأمنية التي طالما عبر
عن عشقه لها في خطاباته التي ورثها لنا.
مُحرِّك الانتفاضة:
لم يلبث كثيراً القائد ياسر النمروطي في عمله الدعوي حتى انخرط في العمل الأمني لـ “حماس” مع بداية تأسيس الجهاز
الأمني لها “مجد” قبيل الانتفاضة، فكان أحب الأيام إليه ذاك اليوم الذي كلفه فيه المجاهد يحيى السنوار – مؤسس
منظمة الجهاد والدعوة (مجد) بتشكيل خلية أمنية في معسكر خان يونس لتؤدي واجبها في ملاحقة العملاء، وقد اختير
للعمل في مهمات خاصة ضد العملاء والأعداء.
بالإضافة لذلك تعرَّض أكثر من مرة للاعتقال، لكنه في كل مرة كان يخرج أشد وأصلب عوداً، وأكثر إصراراً على التحدي
والمواجهة، وقد صقلت التجربة الأمنية شخصيته وجعلته قادراً على حمل مسؤولية القيادة، والقيام بأعبائها.
ومع اندلاع الانتفاضة عام 1987م التي أشرق معها ظهور اسم حركة “حماس” برز القائد ياسر النمروطي كأحد قادة
العمل الميداني في بداياتها، فقد كان ينظم المظاهرات والمسيرات، ويقود الشباب لإلقاء الحجارة والعبوات الحارقة
على دوريات الاحتلال، وتنظيم الإضرابات.
نظريته في العمل العسكري:
تنقَّل الشهيد النمروطي بين جميع أجهزة حركة “حماس” المتعددة، فعمل في الجهاز الدعوي، والطلابي، والأمني، وآخرها
الجناح العسكري الذي كان يعتبره أرقى درجات العمل في الحركة الإسلامية.
بنى نظريته في العمل العسكري على مسلمات استقاها من الآية القرآنية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، ومن
أهمها الاهتمام بإعداد الجندي المسلم من الناحية التربوية الإيمانية والبدنية، ووجد في المساجد الأرض التي تنبت
الشباب المتسلح بالعقيدة القوية.
ولغرض الإعداد البدني أسس ما يشبه المدرسة لتعليم فنون القتال وألعاب القوى؛ إيماناً منه بأن قوة العقيدة وإلى
جانبها قوة الساعد والسلاح، هما المنطلق الحقيقي لبناء الجيل القادر على طرد الاحتلال.
رجل الخفاء:
عرف عن القائد ياسر النمروطي حسه الأمني العالي، فقد كان من أوائل الذين انضموا إلى العمل العسكري لـ “حماس”
عام 1989م، وقد شارك في عملية تجنيد المجاهدين، وتوفير الدعم اللوجستي لهم، وكان له دورٌ في محاربة العملاء،
ورصد الأهداف، وحماية المطاردين، وببراعته الأمنية ظل بعيداً عن أعين الاحتلال، إلى أن تم اعتقال أحد المجاهدين، الذي
اعترف تحت قسوة التحقيق على أن الشهيد هو من قَدَّم خدمات الدعم للمطاردين، وأنه يقود إحدى المجموعات
العسكرية.
شعرت أجهزة الاحتلال الصهيوني حينئذ بالخيبة، لأن القائد ياسر النمروطي نجح في خداعهم عندما كان معتقلاً لديهم بأن
لا علاقة له بالعمل العسكري، وعلى الفور باشرت قوات العدو ومخابراته بالبحث عنه، وسلَّمت عائلته تبليغاً تطلب فيه
تسليم نفسه.
وما إن بلغه -رحمه الله- الخبر، حتى قرر عدم تسليم نفسه وقال عبارته: “لن أسلم نفسي للمحتلين، وسأموت ألف مرة
قبل أن ينالوا مني”.
لقد فضَّل الشهيد النمروطي السبيل الأصعب بكل مشاقه وتبعاته على دخول السجن، ومنذ تاريخ السابع من يناير عام
1992م أصبح مطلوباً لقوات العدو؛ ليعيش مطارداً داخل وطنه.
القائد العام للقسام:
تابع أبو معاذ مع بداية مرحلة المطاردة عمل مجموعة القسام في خانيونس متحدياً ملاحقة الاحتلال له، إلى أن جاء يوم
17 كانون الثاني 1992م؛ حيث كلف بمسؤولية قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، ليبدأ عملاً من نوع آخر، وليتطور
الفكر المجاهد.
وبعدما كان الشهيد النمروطي مجاهداً في الميدان، أصبح يوجه المجاهدين كما ويوفر لهم الإمكانات اللازمة لعملهم
المقاوم، ويخطط لهم العمليات النوعية التي هزت كيان المحتل الصهيوني، وحطمت أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”.
كان القائد ياسر النمروطي يُشرِف شخصياً على عمليات شراء الأسلحة، وإعداد مواقع الاختفاء، وعلى الرغم من صعوبة
المطاردة مع المحتل إلا أنه كان يجتمع بأفراد الخلايا المجاهدة ويناقش معهم خطط العمل العسكري؛ ليضمن التنفيذ
المبدع والمبتكر.
النمروطي والقائد الضيف:
بدأ المجاهد النمروطي بحنكة ودقة في توسيع دائرة العمل العسكري، فضم مجاهدين جدد إلى مجموعات الكتائب، كما
حرص على دعم الجهاز العسكري بالكفاءات التنظيمية، وعمل مع رفيق دربه القائد محمد الضيف -بعدما أفرج عنه عقب
اعتقاله على خلفية عمله في مجاهدي فلسطين – الجناح العسكري لإخوان فلسطين في حينه- على تنظيم عمل الجناح
العسكري ليواصل الضيف مشواره الجهادي ويبقى إلى يومنا هذا قائداً عاماً لكتائب القسام.
منذ أن تولى مسؤولية الجهاز العسكري لم يكن يعرف القائد ياسر النمروطي سوى العمل بأقصى قدر من التفاني
والإخلاص والشجاعة من أجل قضية شعبه وأمته، فمن اللحظة الأولى لتوليه قيادة الكتائب بادر بالعمل على التخطيط
للكثير من العمليات الهجومية النوعية ضد العدو الصهيوني.
ورغم أنه هجر بيته وأهله إلا أنه كان القائد الصابر المحتسب الذي لم تلن عزيمته، فقد أعد خطة الهجوم على موقع
الشرطة الصهيونية في غزة، كما خطط لعملية “مصنع كارلو” قرب “ناحل عوز” والتي قتل فيها جنديان صهيونيان، وهو
من خطط أيضاً لعملية قتل المغتصب “كوهين” قرب بيت لاهيا.
بالإضافة لذلك يُحسب للمجاهد النمروطي أنه أول من نظم صفوف مجموعات كتائب القسام الممتدة على طول
محافظات القطاع؛ حيث كانت المجموعات العسكرية تتواصل مع أكثر من خط اتصال عن طريق “النقطة الميتة”، فبعد
توليه المنصب كوّن جسماً قيادياً للإشراف على العمل العسكري فأصبح هناك قيادة معروفة حتى وإن كانت مطاردة
تعمل في ظروف أمنية معقدة.
تأسيس المدرسة الإعلامية:
يُعد الشهيد أبو معاذ أول قادة القسام الذين اهتموا بالجانب الإعلامي فخرج في خطاب تعبوي يشحذ فيه همم أبناء
شعبه وخاصةً الشباب، كما أسس لمدرسة الإعلام القسامية من خلال لباسه الكوفية التي لبسها من بعده القائد عماد
عقل، والقائد العام محمد الضيف، وحتى يومنا هذا أصبح يرتديها الناطق العسكري في كل خطاب أو مؤتمر يظهر به
لينقل رسالة كتائب القسام للرأي العام.
كما وضع الأسس لخصائص المادة الإعلامية القسامية والتي من أبرزها دقة المعلومة، ومراعاة الجانب الأمني، وإرجاع
الفضل لله في أي نجاح يتحقق أثناء العمليات، وتعزيز ثقة الأمة والشعب بخيار المقاومة كسبيل وحيد لتحرير الأرض.
موعده مع الشهادة:
بقي القائد ياسر النمروطي مطارداً للعدو، وقائداً عاماً لكتائب القسام حتى استشهاده في 15 تموز/ يوليو 1992م، في
تلك الليلة التي تقدمت فيها قوة كبيرة من جنود الاحتلال الصهيوني لمجابهة ذلك القائد الذي لا يحمل سوى إيمان
عميق بربه ثم بقضيته وقدر يسير من العدة والعتاد.
وقتها فرض جنود العدو حصاراً شاملاً على حي الزيتون بأكمله، ثم قاموا بتجميع الرجال والنساء في ساحات المدارس
في الحي وبدأوا بعملية تفتيش دقيق للمنازل باحثين عن القائد الذي دبّ الرعب في قلوبهم.
انتبه القائد أبو معاذ لما يجري حوله، فتخندق في موقعه وامتشق سلاحه بيمينه وحمل مصحفه بقلبه وجلس ينتظر
اللحظة الحاسمة التي سيفاجئ بها المحتل، وعندما فشلت استخبارات العدو في الوصول إليه وأدرك المحتل أن هزيمة
جديدة ستلحق بصفوفه، عندها لجأ إلى استخدام مكبرات الصوت عله يوهن من عزيمة القائد النمروطي فيدفعه لتسليم
نفسه، لكن النفس الحرة الطاهرة لا ترتضي إلا أن تكون في جوار رب الأرباب الذي هو خير وأكرم من أي جوار.
وما أن انتهى المحتل من عملية التفتيش وهَمَّ بالانسحاب وهو يجر أذيال الخيبة، خرج القائد الكامن في عرينه وتعرَّض
لقوات الاحتلال واشتبك معهم بمسدسه من نقطة صفر، حتى استشهد وفاضت الروح إلى الرفيق الأعلى لتلتقي بأرواح
من سبقوه في عليين.
لم يكتف العدو بقتل المجاهد أبي معاذ بل نكلوا بجثمانه الطاهر من خلال إفراغ مئات الرصاصات في جسده، ومن ثم
احتجاز جثمانه لمدة تزيد عن سبعة أيام، ثم قاموا بتسليم جثمانه لأهله وذويه الذين قاموا بمواراته الثرى.