الشهيد ناصر علي أبو شباب
(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد). ونحسب أن من هؤلاء الذين باعوا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه:
شهيدنا الذي نذر نفسه ومواهبه ووقته وجهده، وكل ما يملك لقضية كبيرة خطيرة، هي قضية المسلمين الأولى, قضية أرض النبوات التي بارك الله فيها للعالمين، أرض الإسراء والمعراج، أرض المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله. نذر ذلك، وهو في ريعان الشباب، ومقتبل العمر، في السن التي يلهو فيها اللاهون، ويعبث فيها العابثون، ولكن أخانا الحبيب ناصر كان أمامه مُثُل أخرى مصعب بن عمير و أسامة بن زيد، وأمثالهما من شباب هذه الأمة. الميلاد والنشأة في الأول من يونيو من العام 1985م كانت فلسطين على موعد لاستقبال فارس شهم من فرسانها الميامين الذين امتطوا صهوة الحق وخاضوا غمار الصعاب ليصلوا إلى مبتغى الآمال في جنان الرحمن, فولد شهيدنا ناصر في مدينة خانيونس لأسرة فلسطينية محافظة تعود جذورها لمدينة بئر السبع المحتلة وترتيبه الثاني في أسرته التي تضم 13 فرداً. و كان ملازم المساجد وأداء الصلوات خصوصا الفجر فيها صفة ترافق ناصر منذ صغره.
تعليمه تربى ناصر في كنف عائلة متدينة محافظة, فوالده مربي فاضل تتلمذت على يديه أجيال من الطلبة وقضى سنوات طوال من عمره معلماً في اليمن قبل أن يعود إلى أرض الوطن ليتم مسيرته التعليمية. وقد كان ناصر طفلاً مميزاً يتصف بالفطنة والذكاء, وأكثر ما يعجبك في الصغير ناصر الحياء وأنه لا يقبل الضيم أبداً وهما صفتان لازمتاه طول حياته، ولقد تلقى ناصر تعليمه الابتدائي في مدرسة “ج” الابتدائية ثم في مدرسة “أ” الإعدادية. وكان تعليم الشهيد ناصر الثانوي في مدرسة بئر السبع الثانوية للبنين وأنهى فيها الثانوية العامة بالقسم الأدبي, ليبدأ بعدها تعليمه الجامعي وانتسب للجامعة الإسلامية ودخل كلية التربية تخصص لغة عربية, فلطالما أحب لغة القرآن وعرف عنه فصاحته في القول, وإتقانه للشعر وله العديد من القصائد الرائعة منها قصيدة صقر الشهادة التي يصف فيها مناقب الشهداء وأجرهم العظيم ويمدحهم فيها وقد تخرج شهيدنا البطل من الجامعة قبل أسبوع واحد من استشهاده .
مشواره الجهادي لقد كانت هموم أمته تختلج في صدره وتدفعه ليزيد همته ليكون من جند المسلمين وبين صفوفهم, ولم تكن القضية الفلسطينية التي ينتمي إليها هي كل ما يشغله, بل كانت هموم المسلمين وقد تحمس للعمل الجهادي وطلبه بشدة وكان متلهفاً لحمل السلاح ومقارعة الأعداء فكان له ذلك وانضم إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام ودخل عدة دورات عسكرية متنوعة أكسبته مهارات متقدمة, وأكثر ما كان مولعاً به القنص فتلقى دورة متقدمة في القنص ويشهد له الجميع أنه كان أكثر الشباب تفوقاً فيها. وتشهد له ثغور المنطقة الشرقية برباطه اليومي وعينيه التي لا تكل ولا تمل وهي ترقب حركة الأعداء ويشارك في صد الإجتياحات وكان يسخر بيته في خدمة المجاهدين والمرابطين. الفوز الأكبر ….
لم يكن ناصر يوماً ليقصر في مهامه أو يتقاعس عن رباطه وكان من أولئك الشباب الذين باعوا أرواحهم لله ولم يبالوا بما يصيبهم في سبيل الله ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله، فيأتي الخبر لناصر أن الصهاينة بدءوا التوغل بآلياتهم في منطقة المطار شرق رفح فإذا به يجهز نفسه ويمتشق سلاحه وخرج لصد هذا العدوان, فشارك بكل ما أتاه الله من قوة فوفقه الله بأن يترصد لأحد الصهاينة على آليته وقام بقنصه بطلقة واحدة أردته قتيلاً باعتراف العدو بذلك, ثم عاد ناصر صباحاً إلى البيت فرحاً بعمله وأخبر والدته وهو يكاد يطير من السعادة ثم طلب منها أن تدعو له بالشهادة وخرج مجدداً إلى مسرح العملية لتنال منه طائرة استطلاع صهيونية بصاروخ حاقد ارتقى على إثره للعلياء شهيداً. رحم الله شهيدنا ناصر، وتقبله في عباده المرضيين، ونصر الله إخوانه السائرين على دربه .