قصص الشهداء

الشهيد محمد أبو عيشة

سنوات عجاف مرت من عمر هذا الاحتلال الغاصب، الذي ما أنفك عن ممارسة أنواع شتى من القتل والتدمير والانتهاكات

بحق الفلسطينيين، ولم تخجل سلطاته والناطقين باسمها من تبرير جرائم القتل لأقل الأسباب، الأمر الذي يشير إلى مدى الاستخفاف الصهيوني ليس فقط بالقوانين والمواثيق الدولية، بل بحياة الصحفيين الفلسطينيين، منتهكة بذلك ليس فقط

حرية التعبير بل أهم حق للإنسان وهو “الحق في الحياة”.
إن ما شهده العام الماضي، وخصوصاً أثناء حرب الأيام الثمانية، التي شنتها آلة الحرب الصهيونية في قطاع غزة، من

استهداف لمكاتب صحفية في القطاع، واغتيال لمراسلي فضائيات وصحافيين وشهود على الجريمة الصهيونية النكراء

يفتضح تواطؤاً كونياً ضد الحقيقة خصوصاً في لحظات أزوفها، حيث لا مجال لحجب الشمس بغربال، حتى لو ضاقت ثقوبه، ولا

سيما وأن أبطالها رجال أحرار تلفحوا بالموت ضد الموت، وبالخطر ضد خطر أشد، توضؤا بحبرهم النظيف، وساروا في طريق شاقة ومتعبة ليجهروا بالحقيقة، وأن يؤذنوا على قمم الجبال، بأن جاوز الظالمون المدى..

الشهيد محمد أبو عيشة – الصحفيون في مرمى القصف:

تعمدت قوات الاحتلال باستهداف الصحافيين والمصورين بصورة مقصودة ومتعمدة، فقتلت ثلاثة منهم، في عمليات قصف

منفصلة، حيث استهدفت الطائرات الشهيد الصحفي محمد موسى أبو عيشة مدير إذاعة القدس التعليمية، بينما كان يسير

على قدميه، ما تسبب في استشهاده على الفور، كما استهدفت سيارتين كانتا تحملان إشارة الصحافة بصواريخ حارقة، إحداها تابعة لفضائية الأقصى كان يستقلها مصوران صحافيان هما محمود الكومي وحسام سلامة، ما تسبب في استشهادهما على الفور أيضاً.
واستهدفت قوات الاحتلال أيضا مكاتب ومؤسسات صحافية، من خلال قصفها برجي الشروق والشوا وحصري بمدينة غزة،

والذي يضم العديد من المكاتب الصحفية بينها مكتب فضائية القدس، وقناة الجزيرة، والتلفزيون الجزائري ووكالة معا، وقناة روسيا اليوم، وإذاعة القدس، وكالة فلسطين اليوم، والعديد من المكاتب، الإعلامية وغير الإعلامية.
وقد أسفر القصف الذي تكرر مرتين متتاليتين، عن إصابة خمسة من الصحافيين وهم: درويش بلبل وإبراهيم لبد

ومحمد الأخرس وحازم الداعور وحسين المدهون وخضر الزهار، وقد بترت ساق الأخير نتيجة القصف، إضافة إلى إلحاق أضرار مادية فادحة وتضرر معدات وأجهزة تستخدم في العمل الصحفي، خاصة في مكاتب فضائية القدس والجزيرة.

الشهيد محمد أبو عيشة – الشاهد الشهيد:

ففي حادثة اغتيال الصحفي محمد أبو عيشة كما يرويها والده ومقربون منه، فإن الطريقة التي استهدف فيها الشهيد تثبت

بأن الاحتلال الصهيوني لم يتوقف عن محاولاته لسرقة الحقيقة وإخفائها، وقتل كل من يحاول فضحها.

وفي روايته لعملية الاغتيال التي رآها بأم عينه يقول والد الشهيد: “كنت خارجاً من المسجد القريب من بيتنا في منطقة

دير البلح، وكان الشهيد محمد يسير مشياً على الأقدام مع أحد أصدقاءه، طرحوا علي السلام، ورددتها عليهم بالمثل

وعاجلني أن اطلب منه العودة إلى المنزل ولكن الأجل كان أسرع مني، فباغتته الطائرات الحربية بالقصف المباشر دون

سابق إنذار”.
وتابع يقول: كنت أول من وصل إلى الشهيد بعد إصابته، حيث وصلت إليه وهو ملقى على الأرض، فبدأت ألقنه الشهادتين

وقد من الله علي بالصبر حينها، وأنا اردد معه الشهادتين، وقالها بكل هدوء وبنفس راضية ومطمئنة”.

لماذا يقتل محمد؟

بدوره قال مدير ورئيس تحرير وكالة فلسطين اليوم الإخبارية، الصحفي، صالح المصري: “إنه كان من الواضح أن قوات

الاحتلال كانت تتعمد قتل الصحفيين، وتدمير مقراتهم، رغم وجود الإشارة الصحفية، وهذا إن دل فإنه يدل على الإرهاب

والغطرسة التي تمارسها.
وأوضح أن طائرات العدو قتلت بشكل متعمد ثلاثة من زملائنا، ودمرت العديد من المؤسسات الصحفية، وجرحت العشرات

لافتاً إلى أن هذه الجرائم تتطلب ملاحقتها قانونياً، خاصة من جانب المؤسسات التي تعنى بحقوق الصحفيين.

وأشار المصري إلى أن قوات الاحتلال أدركت أهمية الإعلام الفلسطيني، ومدى تأثيره في نقل صورة معاناة الفلسطينيين

للعالم منذ حرب العام 2008، لذلك لاحظنا أنها تعمدت قتل الصحفيين وقصف مقراتهم في حرب الأيام الثمانية، وهي بذلك

كانت تظن أنها ستسكت صوت الحقيقة، وتمنع الصحفيين من مواصلة عملهم، لكن حدث العكس تماما، فعلى الرغم من استشهاد 3 صحفيين وإصابة أكثر من 15 آخرين، وتدمير المقرات إلا أن صوت الحقيقة ظل متواصلاً وهذا يدلل على أن

الصحفيين أصحاب رسالة، ولهم دور مهني ووطني مهم خلال الحرب.

وأكد على أن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والعربية والدولية مطالبة بمزيد من الجهد والعمل من أجل تقديم قتلة

زملائنا للقضاء وملاحقتهم قانونيا، ويجب تفعيل هذه القضايا في كل المحافل الدولية.

من ناحيته قال مدير العلاقات العامة في إذاعة القدس التعليمية، محمود العوضية: “إن الاحتلال عمل على مدار أيام وساعات الحرب على إخراس الصحافة، وحجب الحقيقية عن العالم، ولذلك كان يستهدف الصحفيين ومكاتبهم، فقتل من قتل وجرح من جرح، اعتقاداً منه أنه بذلك يستطيع أن يخفي جرائمه ضد شعبنا”.
وأردف قائلاً: “أن استشهاد محمد أبو عيشة، أبو عماد، كما لقب نفسه تيمناً بشقيقه الشهيد عماد، الذي سبقه في قافلة الشهداء، ترك أثراً كبيراً في نفوس زملائه في الإذاعة، إلا أننا نؤكد بأننا سنبقى على دربه وكما عهدنا، وسنكمل مشواره

في نقل الحقيقة من المنبر الذي أسسه، ولن تثنينا عن ذلك الاغتيالات ولا عمليات القصف، وسنحافظ على الأمانة التي تركها الشهيد في أعناقنا”.

اقرأ أيضاً الشهيد محمد عبد ربه بدر

شاهد النكسة – وهم اسرائيل جديدة – أرشيف

زر الذهاب إلى الأعلى