شهداء فلسطينقصص الشهداء

الشهيد  محمد أبو عودة

قدمت فلسطين منذ القدم ولغاية الآن قوافل الشهداء، منهم الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، ومنهم أيضاً القادة والمقاتلون، وتختلف قصص الشهداء وتضحياتهم، رغم أن حب الشهادة الوطن والرغبة في الدفاع عنه كان الدافع لهم في كل صولة وجولة.

نشأة الشهيد

كانت فلسطين على موعد ميلاد  لفارس عنيد مع قدوم المولود محمد أبو عودة لعائلته عام 1973، واحتفلت فلسطين باستشهاده عام 2004م، تاركاً خلفه طفلين و3بنات.

ترعرع شهيدنا بين عائلة ملتزمة وبسيطة طباعها، فكان باراً بوالديه، ومطيعاً لأهل بيته، يحبه الجميع ويحب الجميع أيضاً، واختلف شهيدنا عن إخوته لبعد تميزه بالجرأة والقوة، والنشاط غير المحدود مذ نعومة أظفاره.

ومما يذكر لشهيدنا أنه بدأ الصيام وهو ابن سبع سنوات، وحرص على صلاة الجماعة في المسجد وقراءة القرآن الكريم، وهان في ساحات المساجد نهل شهيدنا من نبع الإسلام العظيم والدعوة الربانية المباركة، ومارس عمله الدعوة بكل تميز واقتدار.

وكغيره من أبناء جيله أحب شهيدنا لعب كرة القدم، وأحب تربية الحيوانات الأليفة والطيور، وفي الدراسة كان مجتهداً يحترم مدرسيه وزملاءه في المدرسة، وكان أيضاً محباً لأصدقائه وللناس يلبي لهم ما يحتاجونه من مساعدة.

بداية طريق الجهاد

أصيب شهيدنا في أحداث الانتفاضة الأولى أثناء الدفاع عن المخيم، وبعد شفائه عاد للمشاركة في المواجهات مع جيش الاحتلال مرة أخرى، ولم يثنه ما أصابه، ولم يخفه ذلك، وظل مشاركاً حتى أصيب مرة أخرى، وكأن جيش الاحتلال قد استهدفه شخصياً، ومن ثم تم اعتقاله.

خلال فترة التحقيق معه لم يستطيع جيش الاحتلال أخذ أي اعتراف منه، فقد كان صلباً جداً فحكموه بالسجن الإداري لمدة ست شهور، وبعد أن خرج من السجن عاد كما كان ولم يخيفه ظلمهم وجبروتهم، ثم عادوا واعتقلوه مرة أخرى، ولم يعترف لهم بشيء فحكموه بالإداري ستة شهور مرة أخرى، وخرج ولم يكن همه إلا الدفاع عن أهله ووطنه ودينه واعتقلوه مرة أخرى، وكانت التهمة جاهزة أمامه.

وبعد اقتحام الصهيوني المجرم(شارون) باحات المسجد الأقصى المبارك، اشتعل الغضب بين جنبين شهيدنا محمد، وظهر ذلك على وجهه البشوش، وبدأ بالتحرك دون أن يدري به أحد، فكان الجميع يعلم أنه في عمله، وأنه كبر على المقاومة والجهاد، وأن أسرته كبيرة لا يستطيع تركها، ومضت السنة الأولى دون أن يعلموا بمشاركته في الانتفاضة وفي السنة الثانية منها بدأ يشعر من حوله بانشغاله بشيء دون أن يعرفوا عنه أي شيء، فقد كان كتوماً جداً.

رحلة المطارة

بدأ جيش الاحتلال مطاردته للشهيد بعد وصفه بأنه آخر مجاهد في خلية الشهيد على علان، وبعد بعد عملية الشهيد علي جعارة في القدس والتي كانت انتقاماً لشهداء مجزرة حي الزيتون بغزة وقد أعلن الاحتلال أن محمد من يقف خلف الهجوم.

وفي حديث مع والدته خلال مطاردته، قال لها رحمه الله: “يا أمي لو كان تسليم نفسي لهم ويحاكموني وحدي ولو عشر مؤبدات لقبلت، ولكنهم لا يريدونني وحدي، بل يريدون كل إخواني المجاهدين” وأخذ يصبرها ويقول: “يا أمي ألا تحبين الجنة؟ ألم تري الشهداء، وإن كان على أطفالي فلهم الله وعندي زوجه رضي الله عنها ستتكفل بتربيتهم، لقد وعدتني يا أمي لا تجزعي ولا تخافي، والله لن أسلمهم رفاقي ولو برقبتي هذه”.

وخلال رحلة المطارة استشهدت شقيقته في هجوم لقوات الاحتلال على منزله بوابل من القذائف والرصاص، فهرع مسرعاً وأخذ شقيقته للمشفى على الرغم من تمترس جيش الاحتلال بالمكان، بعد استشهادها في المستشفى خرج في جنازتها وغادر مختفياً عن أعين الاحتلال والسلطة.

 

 

موعد الشهادة

كان جيش الاحتلال يأتي تقريبا كل يوم لبيته ويعيثون فيه فساداً، وآخر مره قبل استشهاده بأيام، أخرجوا عائلته من البيت ومكثوا فيه عدة ساعات لوحدهم، ثم خرجوا ولم يعودوا، إلا في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك.

2-2-2004م، في هذا اليوم جاء محمد إلى منزله وقد أخذ كل الاحتياطيات اللازمة، وبعد دخوله بعشرة دقائق تقريبا جاء جنود الاحتلال بسيارات عربية، وما هي إلا دقائق حتى امتلأ البيت بالجيش وحاصروا المنزل، وحاصروا المنطقة، فطلب محمد من زوجته النزول عند والدته مع الأطفال فرفضت في البداية أن تتركه، فودعها وودع أطفاله، وجهز نفسه لاستقبال مراده.

أوصى محمد زوجته بأن “إذا طلب جنود الاحتلال منك الصعود لأعلى فلا تصعدي سوف يستخدمونك درعا ولا أريد أن تصابي بأذى هي وجنينك بالشهر الثامن، وقال لن أسلم نفسي سوف أقاتلهم بكل ما أوتيت من قوه لن أدعهم”.

حينها خرج لهم محمد من مخبأه السري الذي لطالما بحثوا عنه فقتل أول جندي والثاني والثالث أمام الجميع، واستمرت المعركة، وسيطر القسامي محمد على الموقف، وهرب الجنود إلى خارج المنزل، ولحقهم محمد من فجوة حدثت من أثر الرصاص، وأكمل على من استطاع من الجيش، وإذا برصاصة تصيبه برأسه وسقط شهيداً فاستشهد واقفا كما تمنى، بعد ما أن قتل العديد منهم وأصاب الكثير.

اعتقلوا جثمانه بعد الاستشهاد

أطلق جنود الاحتلال عشرات الطلقات النارية على جسد الشهيد الطاهر حتى بعد وفاته كي يتأكدوا بأنهم انتهوا من مهمتهم ومن الرجل الذي لم يجعلهم ينامون ليلهم الطويل خلال السنوات الثلاثة الماضية وبقي وفيا لدماء رفاقه الشهداء والمعتقلين وخطط ونفذ عمليات أربكت العدو انتقاما لرفاقه.

ولم يكتفوا بذلك، فقرروا اعتقاله وهوشهيد، فتم وضعه على حمالة، حملها أربعة من جنود الاحتلال وهم خائفين مرتبكين، وساروا به بضع عشرات من الأمتار ليضعوه، في سيارة عسكرية، وجلس جنود الاحتلال على جانبي الحمالة يحرسونها.

ومثلما يحدث دائما فإن غريزة الانتقام والتدمير والتخريب تتحكم في تصرفات الصهاينة، فطلب جنود الاحتلال من أهل الشهيد إخلاء المنزل فورا وتم تلغيم المنزل وتفجيره من الداخل.

وكل هذا لم يؤثر في معنويات العائلة والأهالي الذين اخذوا بالتكبير، وبعد ثمانية شهور من المتابعة ورفع القضايا على الاحتلال، سلمت سلطات الاحتلال جثة الشهيد  محمد أبو عودة لأهله كي توارى الثرى في المكان الذي أحب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى