الشهيد علي منير جعارة
قبل يوم واحد من بلوغه الرابعة والعشرين كان علي منير يوسف جعارة، يحضر (للاحتفال) بتلك المناسبة بطريقته الخاصة، وبما يناسب ابناً لإحدى العائلات التي طردها الصهاينة عام 1948 من قريتها قضاء الخليل.
ورغم هذا (التحضير) للاحتفال، لم يلحظ أحد من عائلته شيئا، وفي فجر يوم 29/1/2004، صلى علي الفجر وغادر المنزل، واعتقد أفراد عائلته أنه ذاهب لدوامه الرسمي في مقر شرطة بيت لحم، ولكنه كان يعرف وجهته جيدا.
تقول أمه (عاد الساعة الرابعة فجرا وطلب تحضير السحور له، وقال إنه سيذهب إلى دوامه ولم نكن نعرف أنه سيذهب لتنفيذ عمليته صائما)
وبعد ساعات قليلة وقبل الساعة التاسعة ضغط علي على زر التفجير في الحزام الناسف الذي يلفه على جسده فانفجرت الحافة الصهيونية التي كان يستقلها في شارع غزة بالقدس المحتلة وليس بعيدا عن منزل مجرم الحرب شارون، وأدت العملية إلى سقوط 11 صهيونيا وإصابة العشرات.
(الطريق إلى القدس)
ومع ورود أنباء العملية كان السؤال الأبرز الذي يشغل أجهزة الشاباك الصهيوني كيف وصل هذا الاستشهادي إلى القدس، في ظل الإجراءات المعقدة التي يفرضها الصهاينة بحصارهم لمحافظة بيت لحم وانهماكهم في بناء جدار الفصل الذي التهم آلاف الدونمات من الأراضي.
ولكن يبدو أن الشهيد جعارة ورفاقه في كتائب القسام، و، كانت خططت للعملية مسبقا وبشكل فيه الكثير من الذكاء، ورسمت طريق (اقتحام) الحواجز الصهيونية المحيطة بالقدس، واكثر من هذا الوصول إلى قلب القدس الغربية، حيث نفذ الاستشهادي علي عمليته.
وهذا التخطيط المسبق جاء وقت تنفيذه، بعد عملية توغل صهيوني في حي الزيتون بغزة وارتكاب تلك القوات مجزرة بشعة راح ضحيتها عدد من أبناء الشعب الفلسطيني.
وردا على تلك المجزرة هدد قادة من فصائل المقاومة بان الرد سيكون قريبا على مجزرة حي الزيتون، وجاء الرد بأسرع ما توقعه أحد، على يد نواة كتائب القسام الصلبة في بيت لحم التي أرسلت الاستشهادي علي إلى قلب القدس الغربية لينفذ عمليته المدوية في نتائجها الميدانية وقوتها السياسية وردها الانتقامي على مجزرة حي الزيتون.
(نواة صلبة)
في أواخر آذار 2003 تمكنت قوات الاحتلال وبمحض الصدفة من تصفية الشهيد علي علان القائد الميداني البارز لكتائب القسام في جنوب الضفة الغربية.
كان علان، الذي نجا من محاولتي اغتيال على الاقل، متواريا في أحد المنازل شرق بيت لحم عندما دهمت المنزل دورية صهيونية عابرة، فعاجلها بالاشتباك معها مما أدى إلى مقتل رقيب واستشهاد علان.
وكانت سلطات الاحتلال تتهم علان بالمسؤولية عن مقتل نحو 75 صهيونيا، وسبق ورافق وتبع حادث استشهاد علان، حملة اعتقالات واسعة شملت العشرات من رفاق وأقرباء وأصدقاء علان ومن بينهم زوجته التي ما تزال في المعتقل.
وتعرضت نواة كتائب القسام في المنطقة إلى ضربة أخرى موجعة بعد اغتيال علان بأسبوع، حيث ارتكبت سلطات الاحتلال مجزرة حقيقية راح ضحيتها ثلاثة من رفاق علان هم: نادر الجواريش، موفق بداونة، وعلاء عياد وطفلة صغيرة.
وكان واضحا أن ارتكاب تلك المجزرة تم بطريقة استخبارية صهيونية نوعية مكنت قوة خاصة من جيش الاحتلال تخفت بلباس رجال دين مسيحيين من ارتكاب المجزرة.
(بصمات علان..!)
ويمكن أن نلمس من أسلوب عملية الاستشهادي علي جعارة، لمسات القائد الشهيد علي علان، مما يدل على أن تلامذته من نواة القاسم الصلبة هم الذين يقفون وراء العملية.
وتعيد عملية علي جعارة إلى الأذهان عملية مشابهة مدوية خطط لها علي علان ووقعت يوم 22/11/2003 ونفذها بالقدس المحتلة الاستشهادي نائل أبو هليل.
(والد الشهيد)
في الوقت الذي كان فيه الشهيد علي جعارة يضغط على زر التفجير كان والده في طريقه إلى مدينة الخليل التي يوجد بها القسم الأكبر من عائلة جعارة، لقضاء أمور خاصة، وهناك سمع بالعملية التي أثلجت الصدور بتوقيتها الذي جاء بعد مجزرة حي الزيتون.
ولم يخطر بباله أن يكون ابنه علي هو الذي نفذ العملية، وعندما علم بذلك أسرع في العودة ليستقبل المهنئين في باحة المنزل في مخيم عايدة.
وقال والد الاستشهادي علي بأنه تفاجأ بالعملية وكان يعتقد بأن ولده يداوم في عمله الرسمي، وكان فخورا بعملية ابنه البطولية وبخياره.
وأضاف “إن الذي يدفع ابني وغيره لتنفيذ مثل هذه العمليات هو ممارسات سلطات الاحتلال”
وفي اليوم التالي على تنفيذ العملية (30/1) اجتاحت قوات الاحتلال محافظة بيت لحم، ونفذت حملة دهم واعتقالات حتى وصلت منزل الاستشهادي علي في مخيم عايدة حيث تم تطويق المنزل واقتحامه من قبل جنود الاحتلال وخبراء المتفجرات الذي زرعوه بالمتفجرات من كل النواحي، بينما كان سكان المخيم يخرقون حظر التجوال ويحاولون منع هدم المنزل، واستمروا في محاولاتهم رغم القنابل المسيلة للدموع والعيارات المطاطية والحية.
وخرج جنود الاحتلال من المنزل ليفجروه عن بعد، ولم يحتمل والد الشهيد المنظر خصوصا وانه يعاني من متاعب صحية في القلب فنقل إلى مستشفى بيت جالا ليتلقى العلاج.
ولاحق مواطنو المخيم جنود الاحتلال وهم ينسحبون وكانت بينهم جدة الشهيد علي، كبيرة في السن عاشت (نكبات) الشعب الفلسطيني كلها تحمل الحجارة وترشقهم بها وهي تهتف ضد شارون وتتوعد بالانتقام باسم كل الشعب الفلسطيني.