الشهيد عبد الصمد سلمان حريزات.. في ذكرى استشهاده
المولد والنشأة:
الشهيد عبد الصمد سلمان حريزات الملقب بـ “أبو رشيد” من بلدة يطا جنوب مدينة الخليل، تميز بغيرته الشديدة على الدين
والمقدسات، وبالفهم والوعي الشامل بعيداً عن ضيق التعصب والتعقيد، وكان رحب الصدر محبوباً ومقرباً من الجميع، متأثراً
بوالدته الصابرة التي التزمت بتربيته بعد وفاة والده.
وعرف عنه التزامه الدائم وحرصه على صلاة الفجر، وكان يتفق مع أصحاب يشكون من استيقاظهم للصلاة، فيذهب إلى بيوتهم
ويوقظهم، حتى أنه يدخل البيت أحياناً ويسخن لهم الماء للوضوء.
حياة يملؤها الزهد:
كان بيت والدته المتواضع مركزاً لمساعدة الآخرين؛ من أخ يريد التفقه أكثر في الدين الإسلامي، أو طالب علم يأتي إلى الشهيد
عبد الصمد ليشرح له الفيزياء والكيمياء أو الرياضيات.
عرف عنه لباسه وطعامه المتواضع البسيط؛ لشدة فقره، ورغم ذلك يقبل أي أجر على الدروس خصوصية لطلبة العلم، ورغم أنه كان
تجاوز الثلاثين من عمره لم يستطع الزواج أو حتى تجهيز بيت مستقل، خصوصاً أنه كان يعاني أمراضاً مزمنة في المفاصل.
ومن المواقف المعروفة عنه والتي تظهر التزامه بتعاليم الشرع؛ أنه ورث عن والده دكاناً مستأجراً منذ سنوات طويلة بمبلغ قليل جداً،
وذات ليله فوجئ صاحب المحل بالشهيد حريزات يطرق بابه قائلاً له: إن والدي استأجر منك دكاناً ولم يحدد أجلاً، وهذا مخالف للشرع،
فها هو مفتاح المحل أرده إليك دون مقابل، فذهل الرجل ولم يصدق أنه سلمه الدكان التي تساوي آلاف الدنانير لمجرد أن عقد الإيجار
مخالف للشرع، فأقسم صاحبها ألّا يأخذ المفتاح بل جدد العقد لأجل محدد بأجر جديد.
مسيرته الجهادية:
عندما انطلقت الانتفاضة كان من روادها الأوائل واستضاف في بيته الشهيد القائد عماد عقل عندما كان مطارداً من الاحتلال، كما فتح
بيته للشهيد محمد عزيز رشدي عندما لاحقه جيش الاحتلال.
اعتُقِل المجاهد عبد الصمد إثر اعترافات حول علاقته بكتائب الشهيد عز الدين القسام، وقضى في السجن عدة شهور أدركت خلالها
المخابرات الصهيونية أهمية هذا المجاهد الذي كان يعمل بصمت بعيداً عن الضجيج.
استشهاده:
وبعد خروجه من المعتقل ازداد نشاطه من ندوات ودورات وكبر دوره الجهادي حيث صار مسؤولاً عن تحركات المطاردين في المدينة،
فكان ينسقها خطوة بخطوة حتى جاءت لحظة استشهاد الإخوة (جهاد غلمه – وطارق النتشة – وعادل الفلاح)، فأدرك وجود خلل وكاد
أن يكشفه حتى أنه توجه لزيارة أحد المجاهدين في السجن، وقال لأهل المعتقل سأزوره ولو بقوة السلاح، وهنا استدركت المخابرات
الصهيونية الوضع واقتحموا منزله في تلك الليلة بتاريخ 21/4/1995، ثم جمعوا كل أوراقه في المنزل وبدؤوا التحقيق معه أمام والدته،
مدركين أن يعلم بكل الأسرار التي يريدونها.
في سجن المسكوبية ازداد عنف التحقيق أمام صمود الشهيد عبد الصمد، ونُقِل إلى زنزانته غائباً عن الوعي يعاني نزيفاً في الدماغ
حتى ارتفعت روحه إلى العلياء يوم الثلاثاء 25 نيسان 1995 بعد ثلاثة أيام من اعتقاله.
وتشير الدلائل أن استشهاده كان عملية تصفية؛ بهدف منعه من كشف الخلل الذي أدى لاستشهاد مجموعة من مطاردي كتائب القسام في المدينة.
لم يستطع محققو الشاباك وعملائهم انتزاع أية معلومة من الشهيد الذي قالت سلطات الاحتلال بأنه كان ضابط الاتصال بين المقاومين
المطاردين والمهندس القائد طاهر قفيشة الذي أوكل إلى الشهيد حريزات مسؤولية المطاردين في كتائب القسام بمنطقة الخليل.
وحسب تحقيقات مراكز حقوقية إنسانية فإن الشهيد عبد الصمد حريزات ونتيجة للتعذيب الذي تعرَّض له دخل في غيبوبة بعد 15
ساعة فقط من اعتقاله، واستشهد في المستشفى بعد ثلاثة أيام.
كما تفيد تقارير الطب الشرعي بأن سبب الوفاة يعود إلى نزيف داخل الجمجمة فوق المخ، وتلف حاد في ألياف الأعصاب ناتج عن
الهزّ العنيف والمفاجئ، بالإضافة إلى نزيف سطحي تحت الجلد في الجزء العلوي والأمامي من الصدر والأكتاف، مع التهاب حاد مصاحب
له نتيجة تعرضه للّكمات والضرب المبرح.