قبل اجتياح مخيم جنين بيومين خرج الشيخ رياض بدير من منزله في مدينة طولكرم بالضفة المحتلة دون أن تعلم عائلته وجهته وحين وصل المخيم اتصل مع زوجته وأخبرها أنه ذهب للقتال هناك (رغم كـِـبـَـر سنّه مقارنة بالمقاومين الآخرين إلا أن بدير ذي 55 عاماً قاتل حتى الرمق الأخير ورفض تسليم نفسه).
يقول نجله الأكبر عبد الفتاح (حينها كان يبلغ من العمر 24 عاماً):
” كان أبي ومنذ الاجتياح الأول للمخيم في شباط / فبراير 2002 يعلن نيته القتال والشهادة في المخيم، لم يكن يوماً يذكر خيارات أخرى سوى الشهادة”.
نجل الشهيد يروي تفاصيل رحلة أبيه وتمسكه بفكرة الجهاد والشهادة التي كانت بالنسبة له أهم من عائلته وحياته وماله فيقول أيضا ً:
” اجتياح المخيم كان متوقعاً وخاصة بعد اجتياح نابلس ورام الله فكان يردد لنا أنه في حال تم اجتياح المخيم سيذهب للقتال هناك، حينها كنّا أنا ووالدتي نحاول الضغط عليه للعدول عن فكرته، كنت أقول له أنه في حال خرج سأترك البيت أيضا وأترك أشقائي الأصغر، ولن أتحمل مسؤولية البيت بعده”.
تهديد عبد الفتاح وضغط والدته على الشهيد بدير لم يلقيا نتيجة، فخرج دون أن يعلمهم بذلك، كما يقول عبد الفتاح:
” قبل الاجتياح بيومين خرج من البيت ولم يبلغنا عن وجهته، حتى أنه لم يودعنا وبعد ساعات طويلة اتصل بنا وقال أنه في المخيم”.
التضحية في سبيل التراب:
الشهيد رياض بدير خلال انتفاضة الأقصى أعد العدة الكاملة للقتال، حينها باع بيتاً له وسيارة لشراء السلاح اللازم ومقارعة الاحتلال الذي طارده طوال هذه الفترة رغم تعرضه لإصابة في القدم، حينها كانت بندقيته التي أشتراها أهم ما يملك إذ لا تفارق يده من جهة و رفيقته خلال رحلة جهاده وشهادته في المخيم من جهة أخرى.
خلال فترة الاجتياح بقي عبد الفتاح على تواصل مع والده، يستذكر حالة الفرح الشديد التي كانت تتملك والده حيث تجلت في صوته عند كل اتصال، وأكثر ما عـَـلـِـق بذهنه من حديث والده هو الحالة التي كان فيها المخيم:” كلما استطعت الحديث معه كان يحدثني عن أجواء الوحدة التي يعيشها المقاتلين من كل الفصائل”.
بحسب عبد الفتاح حول مشاركة والده في القتال تحت سماء مخيم جنين:
“كانت حلماً وتحقق، فرحته كبيرة ولم يمنعه تقدمه في العمر ولا إصاباته المتعددة عن القتال حتى النهاية، كان أبي لديه هدفاً واحداً وهو الشهادة بعد معركة مع الاحتلال كالتي حدثت في المخيم”.
قبل انتهاء الاجتياح بيومين،لم يكمل الشهيد اتصاله بعائلته نظرا ً للتشويش على الأجهزة، وما عرفته العائلة بعد ذلك أنه في اليوم العاشر للاجتياح تمت محاصرة مجموعة المقاومين الأخيرة التي كان الشهيد بدير يقاتل ضمن صفوفها وفي اليوم التالي كانت الأخبار الواردة تقول أن هذه المجموعة سلّمت نفسها بعد تدخل المؤسسات الدولية، وفُك الحصار عن المخيم.
يقول عبد الفتاح:
” كنا نعتقد أنه من بين المعتقلين وبقينا لأكثر من 11 يوم ونحن نسأل مؤسسات الأسرى لنعرف في أي سجن هو دون جدوى، وفي 22 من نيسان تم الإعلان عن انتشال جثمانه من أنقاض أحد البيوت المجاورة للمكان الذي حوصر فيه”.
فيما بعد وصل للعائلة تفاصيل انسحاب الشهيد رياض من البيت الذي حوصرت فيه مجموعة المقاتلين التي تم اعتقالها:
” حينما قررت المجموعة تسليم نفسها رفض الشهيد القرار وهرب إلى البيت المجاور بالرغم من إصابته البالغة في قدمه، رافضاً فكرة الاعتقال، مصراً على القتال والشهادة”.
وكان خلال المعارك التي دارت بين المقاتلين والاحتلال في المخيم أُصيب الشهيد رياض بدير في منطقة الفخذ إصابة بالغة، إلا إن الإصابة لم توقفه وبقي يقاتل معهم حتى بلوغ حلمه، الشهادة في سبيل التراب ورفعة العَلَم المقدس.