شهداء فلسطين

الشهيد المجاهد “معين محمد البرعي”: عندما يتمسك الأحفاد بأرض الأجداد

الشهيد المجاهد: معين محمد البرعي

تاريخ الميلاد: الجمعة 22 فبراير 1974

الحالة الإجتماعية: أعزب

المحافظة: الشمال

تاريخ الإستشهاد: الثلاثاء 05 أكتوبر 1993

كما كل الشهداء الذين نحاول أن نرثيهم بكلماتنا المكبلة بالخجل، ونحاول أن نقترب من وهجهم الساطع بالثورة .. جاء معين البرعي .. كما كلهم أتى بذلك الحضور الذي يصعب وصفه، ذلك انه شهيد، كأجمل ما تكون الشهادة ..

هم كذلك قد ذهبوا إلى حيث أرادوا وتمنوا، وبقينا نحن في دنيا حقيرة نرتكب الآثام ونصارع قسوة اللحظة ونحتار، لقد اختار معين الطريق الأقرب إلى الله بعد أن قرر الانحياز إلى خيار أبدي نهائي مطلق .. كلمات الله التي لا تخبو ولا تنتهي ..

فيا هذا الحر الأبي، كم نحن بحاجة اليوم إلى دفء قلبك في الوقت الذي نفتقر فيه إلى أمثالك..لقد أصبحت لغة الرصاص عيباً يخجل البعض منه، فأين العيب وأين العار فيهم أم في زمن التخاذل والانكسار الذي عزّ فيه كل شيء جميل؟!. امن العدل أن يحارب الأطهار الأتقياء الأصفياء وان يتهموا بشتى التهم ومن كل من ماتت أحلامهم وصارت ضمائرهم إلى سبات؟؟.

فأي حيرة تلك التي نعيشها بعد ان ذهبت يا معين وكل الشهداء ؟؟!! عذراً .. عذراً إن تأخرنا عن مسح دمعة الحزن، لكننا سنظل كما معين !! وكل الحرار.

من دمرة إلى غزة .. ذاكرة مستمرة !!

في مخيم جباليا الثورة والصمود … ذلك المخيم الذي احتضنت بين أزقته الضيقة وبيوته البائسة آلاف المشردين من بيوتهم وأراضيهم عنوة على ايدي عصابات ” الهاجاناه” الصهيونية، كان بزوغ فجر ميلاد شهيدنا البطل ابن قرية ” دمرة” المهجرة يوم الثاني والعشرون من فبراير لعام ألف وتسعمائة وأربعة وسبعين.

فنشأ الشهيد معين كما كل أبناء المخيم في بيت متواضع مثقلاً بالفقر والهموم، في كنف أسرة متواضعة اتخذت الإسلام منهجاً وطريق حياة، تتكون من والديه وثمانية أخوة وأخوات.

فعرف الشهيد منذ نعومة أظفاره طريق المسجد وحلقات حفظ القرآن الكريم، فكان من رواد مسجد  عز الدين القسام، وحرص الشهيد على المشاركة في النشاطات التثقيفية التي كانت تعقد في المسجد، وكذلك الألعاب الرياضية، وخاصة لعبة الكارتيه، والتي أصبح فيما بعد أحد أبطالها، وأحد ابرز المدربين القادرين على تخريج أفواج من الرياضيين الأكفاء.

وتميز الشهيد بعلاقاته الاجتماعية الواسعة، حيث أحبه كل من عرفه، لحسن خلقه وبره بوالديه واحترامه لكبار السن وعطفه على الأطفال الصغار، كيف لا وهو من تربى على موائد القرآن وحلقات الذكر وجالس العلم التي كان لها أكبر الأثر في نضج شخصيته وتهذيبها، فكان الشهيد ممن تتلمذوا على يد   الدكتور فتحي الشقاقي، رحمه الله، وحفظوا كلماته التي اقتبسوها لتكون نبراساً يهتدوا به في عتمة الجهل وظلم المستبدين.

ومع اشتعال الانتفاضة المباركة، كان الشهيد كما كل أبناء المخيم الذين احتضنوا الحجارة بكف أيديهم والقوها في وجه الغزاة المعتدين، ليحطموا أمام العالم بأثره أسطورة الجيش الذي لا يقهر، فاكتسب شهيدنا معين لقباً جديداً كما كل الأبطال ” دينمو الانتفاضة” نظراً لكثرة نشاطاته في فعاليات الانتفاضة، من القاء للحجارة والزجاجات الحارقة، إلى المشاركة في مواكب تشييع جنازة الشهداء والمسيرات الشعبية الغاضبة.

رجل المهمات الصعبة !!

كان الشهيد معين  البرعي من الطلائع الأولى لحركة الجهاد الإسلامي، حيث شارك في الفعاليات واللجان الشعبية التي عملت في منطقة جباليا، وكان مسئولاً عن أكثر من مجموعة كانت تخط هذا الحلم الذي رسمه الأطهار بدمائهم، وتخطه أياديهم المتوضئة.

فكان الشهيد معين حقاً برجل المهمات الصعبة، فهو لم يكن لا يتوانى عن تنفيذ أي مهمة جهادية تناط إليه، ولو كان على حساب راحته، وبالرغم من انه كان مسئولاً عن بعض اللجان السياسية في المنطقة الشمالية التي تضم عشرات الشباب، كان يحرص على المشاركة في الندوات الثقافية التي تنظمها الحركة في المناطق الأخرى من قطاع غزة.

تعرض الشهيد البرعي لمحنة الاعتقال بسبب مشاركته لفعاليات الانتفاضة المباركة، وعاش فترة سجنه من اخوانه ورفاق دربه  في سجن انصار غزة، وهو السجن الشاهد على قذارة الاحتلال، قبل أن يرحل إلى سجن ” النقب” الصحراوي، والذي كان المحطة الأخيرة  التي رسمت للشهيد طريق الاستشهاد .

بعد خروجه من السجن انضم الشهيد معين البرعي الى صفوف الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ” قسم”، فكان إلى جنب رفيق دربه الشهيد علاء الكحلوت الذي سبقه إلى العُلا مكللاً بأكاليل الغار، ليكمل الشهيد مشوار الدم والشهادة، فكان بحق مثالاً للمجاهد الحقيقي الذي اجتمع في قلبه صدق القول وإخلاص العمل.

سلاحه الإيمان

في فجر يوم 10/5/ 1993م كان الشهيد معين البرعي على أتم استعداد للمواجهة ، وللشهادة في سبيل الله، فكان اختياره لبلدته الأصلية ” دمرة” رسالة إلى كل المشردين في مخيمات الشتات أن طريق العودة لا يكون الا مخضباً بالدماء لا بالدموع على الأطلال أو تسول مبادرات السلام، ورسالة أخرى الى من استوطن أرضه أن لا بقاء له على هذه الأرض مهما طالت السنين .

خرج الشهيد معين مساء ذلك اليوم الأشم متسلحاً بالإيمان بالله، وقطعة سلاح ” عوزي” مليء برصاص حارق، بالإضافة إلى عدد من القنابل اليدوية، وقد تمكن على الرغم من الإجراءات الأمنية المتشددة من الدخول إلى قريته ” دمرة” ليشتبك مع جيب عسكري قبل ان تتدخل تعزيزات كبيرة من جيش الاحتلال وصلت إلى المكان، لتبدأ معركة حامية الوطيس استمرت لعدة ساعات متواصلة، وقد أكد سكان المنطقة الذين شاهدوا المعركة البطولية التي سقط خلالها الشهيد مدرجاً بدمائه الزكية التي سالت لتروي تراب ارض اجداده، وليؤكد بدمه إسلامية فلسطين وعروبتها وبقائها كذلك مادام أهلها متمسكين بها ورافعون راية الجهاد والاستشهاد.

لتبقى كلماته رغم مرور أعوام على استشهاده نبراساً يهتدي به من حمل الأمانة من بعده وسار على ذات الدرب :” أيها الصاعدون من الظلام المزعوم، لتؤكده للعالم كل العالم أن الدم وحده قانون المرحلة، وستظل ثورة كل الأحرار وليست مشروعاً للاستثمار والمتاجرة”.

” إخوتي الأعزاء .. إذا نلت الشهادة في سبيل الله ثم الوطن، لا تتوقفوا، ولا تعتبروا دمي محطة للتراخي، ولكن نطلب منكم الثأر لكل شهداء الوطن .. لتؤكدوا مصداقية شعار :” الرصاص هو البداية والشهيد هو البداية، والجهاد هو البداية والتمرد واجب لا ينتهي”، وليكون هذا العمل تطبيقا لقول المولى عز وجل ” قاتلوهم يعذبهم الله بأيديهم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين”.

زر الذهاب إلى الأعلى