شهداء فلسطينقصص الشهداء

الشهيد القائد “محمد عبد اللطيف أبو خزنة”

الميلاد والنشأة
ولد الشهيد القائد محمد عبد اللطيف حسين أبو خزنة عام 1978 في قرية عتيل، شمال طولكرم، وترعرع في جنباتها وحقولها، ونشأ محمد في بيت مسلم، تربّى فيه على أسس العقيدة الحميدة بين ثمان من الأخوة والأخوات، ترك الشهيد تعليمه الأكاديمي والتحق في سلك التعليم التقني، ليتعلم مهنة تصليح محركات السيارات “ميكانيكي” لتكون مصدر رزقه الوحيد، إلى أن اعتقل في عام 99 لمدة أربعة أعوام ونصف العام في سجون الاحتلال، ليخرج بعدها ويتزوج ليرزقه الله بطفل أسماه عبد الله.

صفاته وأخلاقه
شهد أحد أصدقاء الشهيد ورفاق دربه في سجون الاحتلال أن لسان الشهيد كان دوما يلهج بذكر الله، وانه كان يمضي ما بين المغرب والعشاء في الصلاة والتسبيح، ولم يكن في هذا الوقت ليختلط بأحد.

عرف عن الشهيد هدوءه، وخجله، فقد كان رحمه الله خفيف الحركة، جميل الطالع، مبتسما لا عبوساً منفّرا.

كان الشهيد يلقى إجماعا واحتراما بين كافة أبناء الفصائل في السجن، وكانت كلمته رغم هدوئه وقلة كلامه، مسموعة، حيث شارك الشهيد في حل العديد من الخلافات بين إخوانه ورفاق سجنه حتى من التنظيمات الأخرى.

انضم الشهيد سرا إلى الجهاد الإسلامي في عتيل في نهاية عام 97، حيث أوكلت له مهمة “اللوجستي” في هروب الشهيدين القائدين إياد الحردان واسعد الدقة من سجون السلطة، وتوفير كل الخدمات اللوجستية من طعام ومخبأ ورسائل، إلا أن السلطة الفلسطينية اعتقلته لشهر ونصف، أثناء قيامه بمهامه في جبال الشعراوية، ورغم قساوة التحقيق إلا أنه رفض الكشف عن مكان الشهيدين، وبعد خروجه من أقبية سجون السلطة اعتقله العدو، عساها تعرف ما لم تعرفه أجهزة المخابرات الفلسطينية إلا أن محمداً أبى أن ينبس بشيء يُضر المجاهدين.

السيرة الجهادية
انضم الشهيد إلى حركة الجهاد الإسلامي عام 1997 وبقي أمر انضمامه طي الكتمان إلى أن اعتقلته السلطة الفلسطينية لمدة شهر ونصف في تشرين الأول عام 99، بتهمة القيام بمساعدة الشهيدين اسعد دقة وإياد الحردان، والمجاهد المهداوي، حيث كان يتنقل ما بين جبال عتيل وبلعا لتأمين مخبئهم وتزويدهم باحتياجاتهم.

وفور خروج الشهيد من أقبية سجون السلطة تلقفته أنياب الغدر والعدوان الصهيوني، بنفس الدافع الاعتقالي الأول -وهو معرفة مكان الشهيدين- ومن اجل إبعاد الشبهة عنه، قدم الشهيد أبو عبد الله اعترافات عن قضايا أخرى مثل الانضمام إلى صفوف الجهاد الإسلامي، وتبنيه هو ومجموعة من الأخوة المجاهدين، عملية حرق سيارة جيب عسكرية صهيونية بقنابل المولوتوف بشكل تام، في أحد شوارع البلدة، وعلى إثرها حكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف السنة.

وفي تلك المدرسة الاعتقالية في سجن مجدو، وككل المجاهدين قضى الشهيد فترة أسره مع إخوانه من أبناء الجهاد، وفي تلك القلعة الشماء صانعة الرجال التقى الشهيد عدداً من قيادات العمل الجهادي البطولي. ومن هؤلاء الشهداء الذين تتلمذ الشهيد أبو عبد الله على يده ومن احتضنه وزرع فيه الوازع الجهادي أخوه الشهيد محمد سدر أسد السرايا في جبل الخليل، وكان الشهيد سدر أمير الأخ المجاهد أبو عبد الله، والأقرب إلى قلبه.

وبعد خروجه من سجون الاحتلال وعودته إلى حياته الاعتيادية، حيث العمل “الميكانيكا” وبناؤه مسكنا يؤويه وزوجته، التي لم يرزق منها إلا بولد قبل استشهاده بشهرين، والذي ولد بعد أن بدأ الاحتلال بمطاردة أبيه بأربعة أيام.

ورغم متاع الحياة، ورغم كل تلك النوازع، إلا أن أبا عبد الله لم يحد عن نهجه الجهادي، وعهده أمام الله هو ومن شاركوه هذا الدرب الجهادي من المجاهدين لؤي السعدي ومعتز السعد على الاستمرار في الجهاد في سبيل الله حتى الشهادة.

وعند اكتمال النصاب وخروجهم من السجن بدأ الشهيد ورفاق دربه العمل العسكري تحت لواء سرايا القدس، حيث نفذ الشهيد عملية ضد قطعان المغتصبين في قرية باقة الشرقية، حيث قتل عدد من المغتصبين وجرح آخرون، وقبل استشهاد الشهيد انفجرت به عبوة ناسفة في إحدى جبال بلدته وهو يعدها لضرب عدو الله، نقل على إثرها سرا إلى مستشفى الشهيد ثابت ثابت، ليعود إلى ساحة الجهاد.

المطاردة الساخنة
وبعد العملية الاستشهادية التي قام بها الاستشهادي عبد الله سعيد بدران في ملهى “سيتيج” بتل الربيع (مغتصبة تل أبيب)، كثفت قوات العدوّ الصهيونيّ من حملتها في مطاردة المجاهدين بعد أن حملتهم المسؤولية عن التنفيذ والتخطيط للعملية، وبعد أن وسمتهم بالقنبلة الموقوتة التي يجب إبطالها أو اجتثاثها.

وفي حلكة تلك الليالي، حُمّلَ إلى مسامع الشهيد أن ولده عبد الله مريض، وهو في بيت جده لأمه في قرية النزلة الوسطى، وبعد أن اشتعلت عاطفة الأبوة في فؤاده قرر أن يذهب لرؤيته، ويضمه إلى صدره برغم دعوة الشباب له بالتأني والانتظار أياماً أخرى حتى تخف وطأة المطاردة إلا أنه أبى إلا أن يذهب لرؤية ولده وكأنه يعلم بأنه ذاهب إلى طريق الشهادة.

وبعد أن اطمأنّ الشهيد على ولده، وبينما كان يهم بالخروج، فاجأته القوات الخاصة الإسرائيلية بمحاصرتها للبيت لتقع الملحمة البطولية التي خاضها الشهيد مع قوات الاحتلال.

الملحمة البطولية
في صبيحة يوم الخميس 10/3/2005، بدأت الحكاية، وهكذا بدأت: “جميع من في البيت عليه الخروج، و إلا نسفناه على من فيه” هذا ما ردّده قائد قوات الاحتلال. بعدها خرجت أم عبد الله وولدها وأهلها، لتبدأ الحكاية والمعركة، معركة المشاعر والنار.

قوات الاحتلال عرضت على الشهيد الخروج إلى انه أبى، فأرسلوا له زوجته لا قناعه، بتسليم نفسه بعد أن قدموا له ضمانات بالخروج سالما وأنهم لن يلحقوا به الأذى. لكن وبعد هذه الجولة اخبر زوجته أنه ينوي الشهادة وانه سوف يقاتل إلى آخر نبضة في عروقه وآخر رصاصة في جعبته.

وبعد فشل جولة التأثير الأولي على الشهيد من خلال زوجته، عاود المحتلون الكرة، بما هو عزيز على القلب، أرسلوا زوجته وولده عبد الله، حتى يرق قلبه، وتستفيض مشاعره، ويسلم نفسه. إلا أن الشهيد كان يرى الجنة أقرب إلى قلبه وبصره من متاع الدنيا وما فيها. وما كان من الشهيد إلا أن قبّل ولده وأسقط رصاصة في صدره وقال عسى الله أن يطعمني الشهادة ونلقاكم في الجنة.

وفور خروج زوجته وولده محمّلاً برصاصة الوعد، بدأ الشهيد بالاشتباك مع محاصريه، حيث باغتهم وصعد إلى سطح المنزل، متمترسا خلف: أحد جدران السطح، مستخدما كل ما لديه من سلاح بينما استخدم العدو الطائرات والبلدوزرات والقنابل والكلاب ولم يتمكنوا منه إلا بعد أن نسفوا البيت بجرّافاتهم اللعينة فوق رأسه وهو حيّ يقاوم.

وصايا الشهيد
لم تعرف وصية الشهيد، لأنه وصحبه المجاهدين صاغوا وصية واحدة، ولكنه طلب ممّن بعده أن يعتبروه جنديا في سبيل الله والوطن، وأن يحفظوا الوصية والقاعدة: أنّ جزاء الآخرة خير وأبقى من جزاء الدنيا، وأوصى أن لا تطبع له صورة وان لا يقام له مهرجان، وان لا يطلق في جنازته الرصاص، داعيا إلى توجيه كلّ الغضب والرصاص إلى صدور أعداء الله.

زر الذهاب إلى الأعلى