الشهيد القائد محمد سعد
ولد الشهيد محمد سعد في بلدة معركة بمدينة صور اللبنانية عام 1956 ,في أسرة ترعرع في كنفها على حب الخير والأرض , تلقى علومه الابتدائية في مدرسة البلدة الرسمية ثمّ انتقل إلى مؤسسة جبل عامل المهنية (إحدى المؤسسات التي بناها الإمام موسى الصدر ) في بلدة البرج الشمالي فدرس علوم الكهرباء , كان من الطلاب البارزين في مؤسسة جبل عامل المهنية جريء مقدام يقضي معظم وقته بالمطالعة والمثابرة على حضور الندوات الثقافية والسياسية التي كان يعقدها الإمام موسى الصدر والدكتور الشهيد مصطفى شمران .
أتقن محمد سعد فن الإصغاء كما برع في الخطابة والكلام فكان محاوراً بارعاً في طرح الأسئلة الثقافية والسياسية ,عين الشهيد القائد مدرساَ لمادة الكهرباء في العام 1977 بعد أن رفض العمل خارج المؤسسة لإيمانه بأن المؤسسة هي إحدى القلاع التي بناها الإمام القائد لتكون الانطلاقة الداعية والصادقة والملتزمة لمقاومة اسرائيل ولرفع الحرمان عن كاهل اللبنانيين وتخريج أجيال ملتزمة من أجل مجتمع سليم مؤمن وهو القائل ” فرد رسالي +أمة مؤمنة يساوي حضارة إسلامية ” .
إن وجود الشهيد القائد في المؤسسة فتح له الآفاق ليشارك في العمل الثقافي والعمل العسكري داخل المقاومة والالتقاء بالكوادر من المناطق اللبنانية كافة , إضافة إلى إلقاء المحاضرات التنظيمية والقيام بإعداد الكوادر وتنظيم الخلايا في المدن والقرى اللبنانية وكانت المؤسسة هي المنطلق .
ورأى الشهيد القائد أن العمل الرسالي يتطلب صبراً وجهاداً ومتابعة والتزاماً , فالرسالي يجب أن يكون له الحضور الدائم على مستوى قضايا المجتمع وطموحات أهله , قال في إحدى ندواته :” نحن قوم نعشق الشهادة , نعشق الحياة , لأن الحق واضح والباطل واضح والمقاومة واضحة والاحتلال واضح “. ويضيف الشهيد القائد :” إذا خيرت أن تموت بطلاً وشهيداً بين أن تعيش ذليلاً لاخترت طريق البطولة والشهادة ” .
خاض الشهيد القائد وإخوانه غمار المقاومة بعد أن صنعوا الشخصيات الرسالية والنفوس الأبية التي أخذت من الحسين (ع) سلوكاً ومنهجاً ومن أقوال الإمام القائد أفعالاً , فكانت المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي بقرار الثلة الملتزمة تحت شعار ( اسرائيل سر مطلق ) والتعامل معها حرام . وقد سبق هذا القرار سلوكاً مقاوماً حيث واجه أبناء الإمام القائد السيد موسى الصدر في البرج الشمالي وفي خلدة وغيرها من المواقع قوات الاحتلال الاسرائيلي إبان الاجتياح الاسرائيلي في حزيران 1982 وطالما ردد الشهيد قوله : ” نحن أبناء المقاومة نحن الرقم الصعب الذي يصعب على الجميع تجاوزه , وأن الكلمة إن لم يكن لها رصيد الشهادة والتراث والحضارة والتاريخ , وإن لم تستند إلى الفعل الحسيني فهي لا قيمة لها”.
مارس الشهيد القائد فعل المواجهة بعدد من الخطوات التنظيمية عبر صفوف المقاومة :
- تعبئة الوطنية ودعوة للتمسك بالأرض والقيم والمبادئ .
- إحياءالمناسبات الدنيية وإقامة المهرجانات التي استطاع من خلالها مع إخوانه أن يصنعوا المجتمع المقاوم , وكان النجاح الباهر للشهيد القائد عندما أقيمت مسيرة جماهيرية حاشدة في صور بذكرى تغيب الإمام القائد موسى الصدر في 31/آب /1982 أي بعد الاجتياح الاسرائيلي بأقل من /25/ يوماً حيث أثبتت المقاومة يومها أنها قادرة على قيادة الجماهير لصناعة مجتمع الحرب والمجتمع المقاوم الذي دعا إليه الإمام القائد موسى الصدر وقد رفع في المسيرة شعارات نددت بالاحتلال الاسرائيلي ودعت إلى مقاومته بشتى الوسائل المتاحة .
وقد وعى الشهيد القائد خطورة الاحتلال الاسرائيلي الأمنية والاقتصادية والثقافية فدعا إلى تنقية المجتمع من العملاء, ولقد كانت قيادة المقاومة واعية لهذه المشاريع وقد رفضتها برمتها على لسان الاستاذ نبيه بري عندما قال : ” لايمكن أن نكون مع العصر الاسرائيلي الذي حذرنا منه الإمام الصدر ولا نركب قطار السلم الاسرائيلي ولن نهادن ولن نسالم ولن نسقط للإفرازات الماضية والحاضرة والآتية خوفاً ولاطمعاً فالتعامل مع اسرائيل حرام .
وعليه كانت انتفاضة السادس من شباط التي أسقطت اتفاق /17/ أيار وقد عمدت قوات الاحتلال الاسرائيلي إلى تطبيق الكثير من الخطط العسكرية ضد المقاومة (القبضة الحديدية ) لكن الشهيد القائد أعلن القبضة الحسينية في مواجهة القبضة الاسرائيلية التي مافتئت أن تبددت تحت ضربات المقاومة يوم أعلن الشهيد القائد عن عمليات وفتح باب خيبر وتحت شعار خيبر خطط الشهيد القائد محمد سعد وإخوانه لضرب الاحتلال الاسرائيلي في كل الجنوب بنفس الوقت , إذ استطاعت المقاومة أن تسجل في يوم واحد أكثر من سبعين عملية تفجير عبوات وقنص جنود واعتراض آليات وقصف مراكز عسكرية واغتيال عملاء , يومها كتبت الصحف العالمية اسرائيل تواجه جيشاً منظماً اسمه المقاومة وقائده رجل من معركة اسمه (محمد سعد ) .
في 2/ آذار /1985 استطاعت بلدة معركة أن تتصدى لهجوم اسرائيلي واسع اجتاح البلدة بأكثر من ألف جندي اسرائيلي ومعهم الكثير من الآليات العسكرية والطائرات المروحية فخرجت معركة من النصر إلى الانتصار وفي يوم 4/ آذار/1985 ترجل الشهيد القائد محمد سعد والشهيد القائد خليل جرادي وإخوانهم من قيادة المقاومة في شوارع معركة حيث تحمع عدد كبير من الأهالي كما في كل مرة يتجمعون بعد المداهمات الاسرائيلية ليتناقلوا أحاديث المواجهة وهزيمة العدو الاسرائيلي وفشله في اعتقال قيادة المقاومة .
وفي الساعة العاشرة إلا ربع وبعد أن صعد الشهيدان القائد محمد سعد وخليل جرادي إلى الحسينية وكان الشك يملأ قلبيهما بأن الاسرائيليين يحضرون لشيء ما كما تخوف خلال مسيرته الجهادية من العملاء , في تلك اللحظات وهو يعالج المشكلات الاجتماعية للأهالي وإذ بأيد صهيونية تزرع عبوة ناسفة حيث كانت المجزرة الرهيبة التي أودت بحياة الأبطال ورفرفت أرواحهم فوق ربوع هذا الجبل العاملي .
بقلم نبيلة سمارة