شهداء فلسطينقصص الشهداء

الشهيد القائد محمد حمدان برهوم

 هم الشهداء الذين جادوا بالغالي والنفيس لديهم ووطنهم، فلا يشبههم أحد، باعوا الدنيا وربحوا الآخرة، هم كثر،
هم رياحين المقاومة وفرسانها الأبطال، امتطوا صهوة خيل الله، فصالوا وجالوا في ميادين العزة والشرف، ولطالما
كرّت جيادهم على الأعداء غدوّاً وآصالا.

نشأة المغوار

كانت مدينة رفح جنوب قطاع غزة في  (11-1-1969)، على موعد مع ميلاد مميز لطفل ستكون له بصمة في قادم حياته،
وسيرعب اسمه المحتلّين والمتعاونين معهم على أرض فلسطين. وبين أحضان عائلته “برهوم” المهجّرة من بئر السبع
عام 1948م، والتي انقسمت بعد الهجرة لقسمين، استقر بعضهم في رفح الفلسطينية، والجزء الأكبر في سكن الأراضي
المصرية قبل أن تفصل رفح الفلسطينية عن المصرية، بعد اتفاقية عام 1981م، وانسحاب الاحتلال من سيناء،

نشأ فارسنا

“وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه” مقوله تنطبق على نشأة شهيدنا القائد، ” فنما الفتى محمد
برهوم في بيت محافظ، الطبية طبعه، والبساطة ثوبه، ربّاه فيه والديه على الخلق الكريم وتعاليم الإسلام الحنيف،
وترعرع وسط بيئة إسلامية محافظة، كل ذلك وغيرها من الصفات أهّلته وشقّت له الطريق بأن يكون فتى ملتزم
منذ صغره، وله مستقبل حافل ينتظره في شبابه. كانت البراءة والبساطة على محياه وطبعه دوماً، وكان يشارك أبناء
مخيم (بلوك G) بجوار مخيم يبنا، ألعابهم البسيطة، وكانت تربطه علاقات طيبة وقوية مع الجميع بسبب حضوره القوي
في كل المناسبات.
وهل للشهداء من صدق قبول إلا بفضل دائهم، فعن علاقته بوالديه لن يفيه الكلام حقه، فربطته علاقة جيدة مع والديه
لكونه أصغر إخوته، وكان طفلهم المدلل، كان يكنّ لهم حباً خاصاً، ولم يحدث أن أغضب والديه في حياته، بل كان نعم
الابن البار بهما والملبّي لاحتياجاتهم، وفي ريعان صباه كان يساعد والده في تجارته، وتدبير شؤون المنزل.
ومما يذكر لشهيدنا أبي أسامة، أنه كان لا يترك زيارة الأرحام، يشارك الجميع أفراحهم وأتراحهم، ويساعد في حل مشاكل
العائلة والجيران، ويساعد الجميع بقدر استطاعته حتى أن بعضهم حدث أهله بأنه كان يتفقدهم بين الفينة والأخرى.

علمه وعمله

تلقّى شهيدنا القائد “أبو أسامة” تعليمه الابتدائي في مدرسة (و) المشتركة للاجئين، وأنهى المرحلة الإعدادية من
مدرسة (ج) الإعدادية، وبعد إكماله لهذه المرحلة ترك دراسته النظرية، ومال للجانب العملي الحياتي، فاصطحبه والده
للتجارة في مجال الزراعة في سيناء، والداخل المحتل. في صغره قام شهيدنا محمد برهوم بإنشاء (بَسْطَة) نثريات
في سوق رفح المركزي يتاجر فيها يجلب منها مصروفه الشخصي، وبعد ذلك اتجه لتربية الدواجن، وقام بإنشاء مزرعة لذلك الأمر.
غياب وعودة بعد فترة من العمل العسكري كان شهيدنا چمن أوائل المطاردين في كتائب القسام وهو رفيق درب الشهيدين
محمد أبو شمالة ورائد العطار، طورد من قوات الاحتلال في عام 1992م، مدة 3شهور، ونجح بعد فترة من المطاردة من السفر
إلى الخارج سراً وتنقل في العديد من الدول منها (مصر – سوريا – ليبيا – السودان). وبعد خروجه من القطاع اعتقل لفترة لدى
أجهزة الأمن المصرية التي حققت معه وبعدها تركته ليذهب إلى مبتغاه، فدامت غربة شهيدنا عن موطنه مدة 11 سنة.
أما عن عودته كما يرويها شقيقه الأكبر فيقول:” بعد الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة 2005م، فتحت الحدود الفلسطينية
المصرية، وتحدث معي القادة العطار وأبو شمالة للاتصال بشقيقي محمد والطلب منه العودة من سوريا، وبالفعل حادثته وقلت
له طلب إخوانه، فلم يتردد ولم يخبر أحد ونزل مسرعاً إلى مصر وعاد إلى القطاع في ظرف يومين من حديثي معه”.
عاد الفارس إلى عرينه بعد خروج قسري، فاستقبله رفيقاه العطار وأبو شمالة، وعاد لينخرط في صفوف العمل المقاوم
من داخل فلسطين بعد غياب لسنوات عدة، وعمل في إمداد المجاهدين بالسلاح برفقة القائد محمد أبو شمالة.
كان شهيدنا يجعل كل شيء مكتوب عنده، على اعتبارات أنها أمانت لديه وسيردها وترد في أي وقت وحين.

على موعد

لكل واحد في هذا الوجود ساعة لابد أن يرحل فيها إلى ربه، ويفارق فيها الأهل والأحباب والدنيا، وكثيرون هم الذين
يموتون كل لحظة، لكن قليل من نسمع بهم ونعلمهم، وقليل من ذاك القليل الذين يتركون بصمات غائرة في جبين التاريخ،
وفي صدر صفحاته، يسطرونها بمداد الدم الأحمر القاني، ولقد كان شهيدنا محمد –رحمه الله- من هذا القليل القليل،
الذي طلق الدنيا، وعاش فيها يعمل للآخرة، وحان له أن يهاجر وأن ينزل عن صهوة جواده، ليظفر بالشهادة في سبيل الله
عز وجل التي لطالما سعى لها وتمناها.
“نحن مقتولون مقتولون” كانت مقولة الشهداء القادة الثلاث العطار وأبو شمالة وبرهوم، وإن (إشارة القناص) تلاحقنا،
ويرددون دوماً بأنهم سيأخذون بعضهم للجنة. فمع اندلاع معركة العصف المأكول 2014م، أحسّ شهيدنا القائد بدنو أجله
وبقرب الشهادة فكان يردد “لن يخرج من هذه المعركة إلا طويل العمر”. 2014-08-21م، فجراً هبطت طائرات الاحتلال
بشكل ملحوظ فوق منطقة تلك السلطان غرب رفح جنوب القطاع، فانتبه لذلك القائد القسامي رائد العطار فأخذ يناظر
المنطقة للخروج من المنزل، إلا أن صواريخ الحقد الصهيونية كانت الأسرع ودمرت المنزل الذي كانوا فيه، وارتقى الرعيل
الأول لكتائب القسام شهداء بعد أن تزينت بهم ساحات العز والجهاد وتشرف بهم الوطن الحبيب، وأذاقوا العدو الويلات
وجرّعوا جنوده المرارة منذ ما يزيد على 20 عاماً.
زر الذهاب إلى الأعلى