على الطريق

الشهيد القائد عز الدين القسام وتميز التجربة

مرت قبل أيام الذكرى الحادية والثمانون لاستشهاد القائد الشيخ عز الدين القسام ابن مدينة “جبلة” الذي يمثل نموذجاً متميزاً لرجل الدين المقاوم الذي لا يضيع البوصلة في تشخيصه للعدو والصديق. ولد الشيخ عز الدين القسام في مدينة جبلة السورية عام 1883م، وقد كانت حياته حافلة بالجهاد والمقاومة للمستعمر الغربي، فيقال إنه ذهب إلى ليبيا حاملاً المساعدات للمجاهدين الليبيين، والتقى هناك بالمجاهد الليبي الكبير عمر المختار، وقد قاوم الاحتلال الفرنسي في سورية لأكثر من سنتين. ثم قدم إلى فلسطين فاراً من الفرنسيين، واستقر في مدينة حيفا عام 1920م. تولى الشيخ القسام الخطابة في جامع الاستقلال في السنة التي تم فيها بناؤه وهي سنة 1925م، فكان جامع الاستقلال منبره لإيصال رسالة الجهاد والمقاومة إلى الناس، ومنه بدأ إعداد اللبنات الأولى لتنظيمه الجهادي “العصبة”، استشهد الشيخ القسام في أحراش يعبد بعد أن حاصره البريطانيون يوم 20-11-1935م، بعد أن قاتلهم بعدد لا يزيد على العشرة، وهم بالمئات وهو يصيح بإخوانه “موتوا شهداء، إنه جهاد نصر أو استشهاد”. لم تنتهِ عصبة القساميين باستشهاده، بل أثمرت بعد أقل من ستة أشهر من وفاته ثورة 1936م، والتي تعتبر الثورة التي أشعلت روح الوعي والثورة عند الشعب الفلسطيني. ما هو ملفت في تجربة الشيخ القسام، إدراكه لحقيقة العدو الواحد ولو تغيرت الأسماء والأشكال، فلا فرق لديه بين من احتل جبلة ودمشق وذاك الذي احتل يافا وصفد، والعصابات الصهيونية التي ترسم لها دوراً مستقبلياً، وأدرك أن الدفاع عن بلدته بمواجهة هذا العدو الواحد هو دفاع عن الوطن كله، وبالعكس. لم يضيّع القسام وقته بتدبيج الفتاوى التي تبيح قتل الأبرياء وتمزق النسيج الاجتماعي، بل هدف على العدو الحقيقي، وراح من أجل المواجهة يعطي للتأهيل والتثقيف بحقيقة العدو وقتاً كبيراً حتى أصبح الشخصية الوطنية التي توحد، وتجمع حوله حتى بعض قاطعي الطرق الذين اقتنعوا بفكر الشيخ القسام وانضموا إلى ثورته، وتحولوا إلى فدائيين حقيقيين بفعل قدراته على التحريض ضد العدو، مخاطباً الجميع بلغة مصلحة الوطن التي تعلو فوق أي مصلحة. واحد وثمانون عاماً مرت على استشهاد الشيخ القسام الذي ترك إرثاً نضالياً كبيراً، وكتب بالدم دروساً لابد من قراءتها بتمعن، لاسيما في ظل هذا الزمن الذي تحول فيه البعض إلى أدوات للعدو تجمل صورته، ونمارس الدعاية والخداع لمصلحته، وتبيع ضميرها بحفنة من الدولارات. تجربة الشيخ القسام تجربة رائدة، للشيخ الذي دفعه إيمانه إلى الدفاع عن الوطن في مواجهة العدو الأجنبي، ودفع ثمن هذا الموقف دمه، ونال منزلة الشهداء وكُتب اسمه بأحرف من نور في سجل التاريخ، فهل يتعظ من تجربة الشيخ القسام أولئك الذين يبررون قتل الأبرياء وقطع الرؤوس، ويعملون بكل طاقتهم لخدمة مآرب الأعداء؟

بقلم خالد بدير

زر الذهاب إلى الأعلى