الشهيد القائد / عرفات مرشد أبو عبد الله
الحديث عن الشهداء له رونقه الخاص ورحيقه الذي يثلج الصدور، كيف لا ..! وهم من جادوا بأرواحهم وكل ما يملكون من أجلنا، تعالوا لنبحر سوياً في حياة شهيدٍ عاش مدرسة فكانت شهادته جامعة لكل أحرار العالم ..
ميلاده فخراً واشراقة نور
على أرض فلسطين المباركة، كان إشراقة ميلاد الفارس الصنديد عرفات مرشد أبو عبد الله (أبو عبد الله)في الثاني عشر من يوليو لعام ألف وتسعمائة وتسعة وستون والشهيد أبو عبد الله هو الابن السابع لأسرته التي تنحدر من قرية “يبنا” قضاء مدينة الرملة المحتلة منذ عام 1948م
كبر الشهيد عرفات وكبرت معه رؤيته للحقيقة المرة التي ألقت بأسرته في هذا المخيم الضيق الواسع بكرم أهله، فتشرب من الجد والجدة, حكايات النكبة ومأساتها وحياة المر وشقائها, وقصة أرضهم التي تركها أجداده مزروعة بالحمضيات واللوزيات والخضار والسمسم والقمح
بهذا الوعي والإدراك انتقل فارسنا إلى مرحلة جديدة من حياته،فدرس المرحلة الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، ثم التحق بالثانوية العامة، وحباً في العلم ودرجة أهل العلم أكمل أبو عبد الله دراسته الجامعية متأخراً رغم أعباء العمل الجهادي وانشغاله الدائم إلا أنه نجح وتخرج من جامعة الأمة في العام 2012 م.
وينتمي شهيدنا القائد عرفات” إلى عائلة مجاهدة تعرف واجبها نحو دينها ووطنها، وتُعرف بانتمائها لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وقد قدمت العديد من أبناءها الأبرار في سبيل الله على طريق تحرير فلسطين، ومنهم: الشهيد القائد شقيقه محمد أبو عبد الله ” أبو مرشد ” قائد لواء الوسطى سابقاً والذي اغتيل بتاريخ 27/12/2007م
وتمتع شهيدنا القائد عرفت أبو عبد الله بأخلاق الإسلام العظيم ويصفه أحد أصدقائه المقربين بالهادئ المتواضع والأسد الهصور في الحق.
طريق العزة والكرامة
لا يمكن لمن احتضنته المساجد إلا أن يكون مجاهداً في سبيل الله في مسجد “النور”كانت انطلاقته حيث التحق في العام 1987م في صفوف حركة الجهاد , ليشارك في فعاليات الانتفاضة خلال عمله في اللجان الشعبية ، بكل قوة وعنفوان تقدم الصفوف وبيده الحجارة و وزجاجات “الملتوف”ليذيق جيش الاحتلال كأس الذل والهوان.
وفي تاريخ 13/12/1987م أصيب أبو عبد الله برصاصة أثناء تصديه لدوريات الاحتلال، لكن هذا الأمر لم يفت من عضده بل واصل المسير ليصاب مرة أخرى، ولكن في هذه المرة تم اعتقاله عام1988موحكم عليه بالسجن لمدة عام، إلا أن ذلك لم يثنيه أيضاً عن مواصلة مسيرة جهاده.
ويسجل للشهيد دوره البارز في تشكيل أولى خلايا العمل العسكري في مخيم البريج بعد خروجه من السجن ورغم ملاحقة الأجهزة الأمنية له في ذلك الوقت.
مسؤول لواء الوسطى وعضو المجلس العسكري
وقع اختيار قيادة سرايا القدس على الشهيد عرفات أبو عبدالله ليتولى مسؤولية لواء الوسطى في سرايا القدس بعد استشهاد أخيه القائد محمد مرشد أبو عبدالله، حيث كان أبرز الأخوة المجاهدين وأكثرهم خبرة في العمل العسكري، ومنذ اللحظات الأولى لتوليه مسئولية اللواء قام أبو عبدالله بإنجاز كافة المهام الموكلة له من القيادة، وكان نعم القائد الذي خلف القائد أبو مرشد.
وأصبح الشهيد عرفات أبو عبد الله عضو المجلس العسكري لسرايا القدس ليشارك إخوانه وتزداد المهام على عاتقه ولكنه كما كان في كل محطة ينجز كل المهام الموكلة له، فشارك في أكثر من مهمة قيادية بنجاح.
كما أشرف الشهيدان عرفات أبو عبد الله وحسن أبو حسنين على ضرب “تل أبيب” لأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية بصاروخ “فجر5″، رداً على اغتيال القائد في كتائب القسام أحمد الجعبري.
مجاهد لا تثنيه التحديات
وتعرض الشهيد عرفات لعدة محاولات اغتيال أحدها عندما قصفت شقته خلال معركة السماء الزرقاء عام 2012م، حيث كان يتواجد برفقة الشهيد حسن أبو حسنين، ومرة أخرى في معركة البنيان المرصوص عام2014م، و في كل مرة كان يزداد قوة وصلابة على مواصلة طريق المقاومة والجهاد، ويقول للمقربين من حوله: “متى أنال شرف الشهادة فهذا أسمى ما أتمنى”.
رحلة الخلود
ارتقى شهيدنا أبو عبد الله الذي كانت الشهادة أغنية حياته ولحن أنفاسه ظهر يوم 30/10/2017 بعد أن لبي نداء الدين والوطن وصرخات إخوانه الذين استنجدوا به من تحت نفق الحرية الذي قصفته قوات الاحتلال الصهيوني ..
بعد أن دخل إلى النفق بالقوة، رغم محاولات المتواجدين في المكان منعه، حتى تشققت ملابسه في أيديهم وهو يصرخ بهم ويقول” حياتي ليست أغلى من حياة أبنائي الذين هم تحت الأرض” ، ليرحل الشهيد القائد أبو عبد الله ملبياً نداء إخوانه منقذاً ومضحياً في نفق الحرية.