أخبارشهداء فلسطين

الشهيد القائد / زكريا أحمد الشوربجي

رجال تذللت لهم سبل المعالى، فهانت عليهم التضحيات، فكان ممن خاض القتال حين عز القتال، ومن الجنود الذين حبكوا خيوط النصر والتمكين بجهدهم وعزيمتهم يخطون طريق الأمة نحو النصر والتحرير.

مولده ..

في  (1960/4/8) أشرقت شمس شهيدنا زكريا أحمد الشوربجي على أرجاء حي التفاح بمدينة غزة، ترعرع زكريا وسط أسرة ملتزمة بدين الله في وقت لم تكن الصحوة الإسلامية قد انتشرت في غزة على ما هو عليه الوضع الآن لكن البيت المسلم أرشد أبناءه إلى المسجد وصلاة الجماعة فيه.

فكان شهيدنا  طفلاً مميزاً منذ نعومة أظفاره حيث طاعة الله وطاعة الوالدين، كما أنه كان مقرباً من والديه وإخوته الذين شكلوا معاً لُحْمة واحدة قوية متينة بحب الله والوالدين، وكان زكريا الأخ المحبوب من إخوته وكل من يتعامل معه فقد حباه الله حب الناس من لطف معاملته معهم وطيبه وإخلاصه لهم ونصحهم بكل خير وما يرضي رب العباد.

وبعد أن قضى زكريا ست سنوات في مدرسة الفاخورة الابتدائية للاجئين قرر أن يغادر الدراسة حيث الظروف الصعبة المحيطة بأجوائها وأن يعمل مع والده داخل أراضينا الفلسطينية المحتلة وقد تعلم العبرية وأجادها قراءة وكتابة وتحدثاً أكثر من اليهود أنفسهم،.

تزوج زكريا من إحدى الأخوات الكريمات وكان نعم الزوج لها الحاث على الصبر والإيمان والجهاد في سبيل الله، وقد رزقهما الله يحيى قبل استشهاده بأربعين يوماً فنشأ الفتى على سيرة والده دون أن ينعم منه بلمحة نظر أو ضمة صدر تعطيه لوناً من ألوان الحنان والعطف، لكنها الجنة التي تتطلب منا الصبر والثبات والاحتساب لنظفر بنعيمها وهي التي من أجلها يُسْتَسْهَلُ كل صعب.

رحلة جهادية مميزة

ومع بدايات انتفاضة الأقصى الأولى التحق أبو يحيى بصفوف حركة الجهاد الإسلامي وقد امتشق بندقيته وراح يجاهد ويقاتل في سبيل الله تعالى حيث وجد أن الجهاد فرض عين على كل مسلم مقتدر.

ولكن سرعان ما وجد أبو يحيى نفسه مكبلاً في سجون الاحتلال الصهيوني وقد حُكِمَ عليه بالسجن سبع سنوات، وبينما هو في سجنه تشكلت النواة الأولى لحركة المقاومة الإسلامية حماس ومن ثم ضجت سجون الاحتلال المقامة على ثرى مدينة غزة بالسجناء من أبناء الحركة، ليجد منهم أخوة أحبة يضع يده المجاهدة في أيديهم الطاهرة وقد صاحب الدكتور إبراهيم المقادمة الذي أثر فيه كثيراً، وكان يطلب منه أن يعلمه وكان يقول له مداعبا: ًسيسألك الله لماذا لم تعلم زكريا؟ فكان الدكتور يعلمه يومياً ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات ومن ثم صار متحدثاً باسم الحركة الإسلامية في سجنه في الفترة ما بين عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين حتى ألف وتسعمائة وواحد وتسعين.

وبعدما أُفرج عن مجاهدنا المقدام سعى جاهداً للالتحاق بالجماعات الأولى لحركة حماس وجناحها المجاهد كتائب القسام، والذين وجدوا منه كنزاً ثميناً عليهم كسبه والاستفادة من جهوده وخبرته في الجانب العسكري حتى وإن كان بسيطة وبدائية، لم يكن أبو يحيى ليعطي نفسه وروحه الحق في غذائها الجهادي بل اهتم بالجانب الإيماني الروحاني والذي يعتبر الداعم للجهاد والمقوي للعزيمة فنراه يخرج لصلاة الفجر يؤديها في جماعة المسجد ومن ثم ينطلق من المسجد إلى المقبرة الشرقية ما بين مشيٍ وركضٍ.

من أعماله العسكرية

كان لذاك الرجل عقل مميز أكسب الإسلام الكثير من العزة والنصر أمام المحتل الغاشم بإذن الله تعالى ومنها أنه خطط ونفذ عدداً من الأعمال العسكرية في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة وناحل عوز وغوش قطيف وجباليا ومعسكر الشاطئ ومنطقة الشيخ عجلين، كما أنه أول من بادر بإطلاق النار على الدوريات الصهيونية الراجلة وشارك في نصب الكمائن لها، وكم أثخن في العدو ومستوطنيه وأوقعهم ما بين قتيل وجريح، هذا فضلاً عن مساهمته الأمنية الفعالة في كشف اللثام عن وجوه العملاء وعيون الاحتلال والتحقيق معهم ومن ثم تنفيذ حكم الله بحقهم

 

في رحلة المطاردة

كل هذه الأعمال العسكرية وغيرها جعلت من أبي يحيى مطلوباً لدى الاحتلال فكان رجلاً مطارداً لا يراه أهله ولا زوجه إلا قليلاً ونادراً وكان يقول لزوجه التي كانت لا تزال عروساً وقتها: إذا وصلك نبأ استشهادي استعيني بالله مردداً قوله الله تعالى: “أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون” ويذكر أن مجاهدنا لم يرً ابنه الذي وضعته أمه قبل استشهاد أبيه بأربعين يوماً، وكان زكريا يقول لأهله وأحبته دوماً: اسألوا الله تبارك وتعالى أن تروني شهيداً لحيتي مخضبة بالدماء، حتى صدقه الله تعالى بعد أن صدق زكريا ربه وخرجت الدنيا كله من قلبه وباتت الجنة حلمه المنتظر فجاء الوعد الحق.

في 20/4/1993، وقد أتم أسد المقاومة والفداء أربعين يوماً يطارد أعداء الله تبارك وتعالى في شتى الميادين، يخرج لهم كابوساً يوقظهم من أحلامهم المعسولة بالسيطرة على فلسطين وشعبها واستلابها لقمة سائغة. لا لن يكون هذا طالما هناك عرق ينبض لأسد المقاومة وإخوانه المجاهدين. معركة استمرت 17 ساعة

تلفت أبو يحيى حوله وهو يرقب هذا الحصار ومئات الجنود يلتفون نحو خندقه ويخشون التقدم، يرقب كل ذلك وهو يبتسم بسخرية فما يملك سوى مسدسه الشخصي فقط، ولكنه يقرر المواجهة.

وتبدأ المناورة، بدأ يقفز من بيت إلى آخر حتى التقى في أحد البيوت بأربعة من مطاردي صقور فتح قرروا تسليم أنفسهم، طلب منهم منحه السلاح الخاص بهم، واحتضن الفارس ثلاث رشاشات كلاشنكوف ومسدسه وبدأت المعركة التي استمرت سبع عشرة ساعة كاملة أخرج أبو يحيى كل ما في جعبته من فنون العسكرية والمواجهة التي شربها منذ لحظات الإشراق الأولى لحياته الحافلة بالجهاد والفدائية والتضحية، وخرج من هذه المعركة أكثر فوزاً من كل معاركه السابقة، فقد نال فوزه الأخير وحقق أمنيته الغالية باستشهاده العزيز بعد أن نال من أعداء الله والوطن والشعب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى