شهداء فلسطين

الشهيد القائد جمال عطايا أبو سمهدانة

الشهداء هم قادة نهج المقاومة, هم بوصلتها الصحيحة، هم المرابطين القابضين على جمرة الدين و الجهاد و الماضيين في طريق ذات الشوكة ابتغاء مرضاة الله، وها هو أبو عطايا القائد و المؤسس الذي كان أسداً هصوراً للدفاع عن حمى العقيدة والأرض, أبو عطايا قائد مجاهد كان الأسبق نحو العطاء والجهاد والأسبق نحو السيرة العطرة وتواضع المجاهدين و عزوفهم عن الدنيا و ملذاتها, أبو عطايا مؤمن أدار ظهره للدنيا و تاجر مع الله فكانت تجارة رابحة بإذنه تعالى فمضى يرافقه أخيه الشهيد أحمد مرجان ، وعلى دربه كان القادة المؤسسين الشهداء بهاء الدين أبو السعيد و إسماعيل أبو القمصان و أبو يوسف القوقا وعامر قرموط  “أبو الصاعد” وهشام أبو نصيرة وجبر الأخرس و رمضان عزام و مصطفى صباح و رفيق دغمش و أحمد أبو جاموس و عماد أبو سمهدانة و غيرهم الكثير ممن هم في القلوب أغلى و أعز و هناك من ينتظر و ما بدلوا تبديلا .

يعتبر الشهيد الشيخ جمال أبو سمهدانة الشهير بـ”أبو عطايا” قائد ومؤسس لجان المقاومة الشعبية الفلسطينية وأحد أبرز المطلوبين الفلسطينيين للكيان الصهيوني خلال السنوات الانتفاضة الفلسطينية حيث تصدر اسمه قوائم الشخصيات المطلوبة للاغتيال من قبل قوات الاحتلال الصهيونية.

 

ولادة شهيد من عائلة قدمت الشهداء :

 

ولد الشهيد القائد أبو عطايا في اليوم الثامن من فبراير عام 1963 بمخيم المغازي للاجئين وسط قطاع غزة، حيث قضى طفولته، ثم انتقلت أسرته للعيش برفح جنوبيّ قطاع غزة. درس جمال المرحلة الابتدائية والإعدادية بمدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والثانوية بمدرسة بئر السبع لينخرط بعدها بصفوف حركة فتح متأثراً بأسرته حيث اعتقل والده الحاج عطايا عدة مرات وأمه وسبعة من اخوته فضلاً عن اخويه  صقر وطارق اللذين انضما لحركة فتح وقاتلا حتى استشهد صقر عام 1975 وطارق إبان انتفاضة 1987.

وما  أن  انضم أبو عطايا إلى حركة فتح حتى بدا أن فصلاً جديداً من فصول حياته قد بدأ، حيث كلفته  الحركة بتشكيل مجموعات عسكرية في قطاع غزة. وبدأ جيش الاحتلال بمطاردة أبو سمهدانة عام 1982 لينتقل على أثرها إلى مصر ومنها إلى دمشق  فالمغرب ثم إلى تونس حيث مكث عامين.

في عام 1985م التحق الشهيد جمال أبو سمهدانة ” أبو عطايا” للعمل في جاهز الأمن الموحد مع الشهيد أبو إياد , ومن ثم سافر الشهيد أبو عطايا إلى المغرب للدراسة الجامعية  في المغرب حيث درس لمدة عام العلوم السياسية والاقتصاد, إلا أن الشهيد أبو عطايا كان بحاجة إلى دراسة من نوع أخر تعينه على جهاد الصهاينة والاستمرار في مسيرة الثورة .

وعندما لاحت له الفرصة بحصوله على منحة دراسية إلى ألمانيا الشرقية سارع إلى السفر والالتحاق الكلية العسكرية والتي تخرج منها برتبه ملازم وذلك في عام 1989م .

وانتقل بعدها الشهيد ” أبو عطايا” إلى الجزائر ثم إلى بغداد حيث شهد في العاصمة العراقية العدوان الأمريكي وقوات التحالف لها عام 1991م .

وعقب انتهاء حرب الخليج رجع أبو عطايا إلى الجزائر وكانت المحطة الأخيرة في تنقلاته الخارجية قبل أن يعود إلى قطاع غزة في صفوف القوات الفلسطينية العائدة ضمن اتفاق أوسلو عام 1993 م على الرغم من معارضته للاتفاق الذي وقعه ياسر عرفات.

 

تزوج شهيدنا البطل المجاهد من الأخت المجاهدة أحلام محمد زعتر أم عطايا ” بتاريخ 2/8/1991م حيث اعتقلت في السجون العربية لمدة عام لخدمتها في صفوف الثورة الفلسطينية , حيث إنها ذاقت الأمرين في رحلة شهيدنا القائد “أبو عطايا” .· أنجبت لفلسطين خمسة من الأبناء
أكبرهم ” عطايا ” و”عماد ” و”ريم ” و” محمـد ” وأصغرهم ” يحيى عياش ” ·

عودة الشهيد ” أبو عطايا” إلى أرض فلسطين :

 

عاد شهيدنا البطل إلى أرض الوطن مع قوات الأمن الفلسطيني ولكن ما زال مغروساً في ذهنه حب ملاقاة الأعداء ومحاربتهم , حيث إنه من لحظة العودة وهو يفكر ويجهز ويدبر كيف يحارب هذا الاحتلال البغيض الذي يغتصب الأرض وينتهك الحرمات, فاستأنف المشوار بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية ,لذلك سارع بتشكيل صداقاته مع قيادات العمل العسكري والوطني الفلسطيني من مختلف التوجهات , ووثق العلاقات معهم على أمل الانطلاق في موجة عمليات عسكرية ضد الكيان الصهيوني وقواته , التي لازالت تحتل أجزاء كبيرة من أراضي قطاع غزة , منهم
الشهيد يحيى عياش, والشهيد عدنان الغول, والشهيد جهاد العمارين , والشهيد محمد عبد العال والشهيد محمد الشيخ خليل والشهيد ” أبو يوسف القوقا”·

 

إلا أن شهيدنا ” أبو عطايا” لم يترك العمل التنظيمي والاجتماعي على أمل الإصلاح وتصويب البوصلة الفلسطينية , حيث شارك في عام 1996م في الانتخابات التنظيمية , وتم انتخاب الشهيد ” أبو عطايا” بأغلبية في قيادة إقليم حركة فتح في مدينة رفح ,حيث كان يمتاز بالموقف الشجاع هو وبعض رفاقه في إقليم رفح , وبسبب مواقفه المشرفة والفعاليات الجماهيرية التي قادها الشهيد ” أبو عطايا”  لقي أبو عطايا معارضة قوية وحرب شرسة ضده في داخل حركة فتح , والتي قامت  بطرده من صفوفها بناءً على توصية من جهاز الأمن الوقائي ,عقب مشاركته في مظاهرة تحت شعار مناهضة فساد السلطة والغلاء الفاحش , الناتج عن السمسرة والاستغلال السيئ للمنصب من قبل بعض رموز السلطة, وهنا نذكر بأن شهيدنا قد أوصى بأن يبقى قرار طرده موجوداً في جيبه على أن يدفن معه.

 

وفي تحول خطير في علاقته مع سلطة أوسلو ,قامت الأجهزة الأمنية الفلسطينية باعتقاله عام 1997 على يد جهاز الأمن الوقائي لمدة سنة وسبعة أشهر , بسبب مساعدته حركة الجهاد الإسلامي في نشاطات عسكرية وعمليات نفذتها ضد أهداف صهيونية .

 

ولقد شارك الشهيد أبو عطايا في كل التحركات الجماهيرية المناهضين لاتفاق أوسلو, وعارض بشدة عمليات القمع للمقاومين, واعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة, كما شارك أبو عطايا بفعالية في المواجهات التي أطلق عليها ” هبة الأقصى”, والتي تسبب بها افتتاح المجرم نتانياهو نفق تحت المسجد الأقصى وذلك في عام 19996م, حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين المقاومين وجماهير شعبنا والقوات الصهيونية على نقاط التماس في قطاع غزة والضفة الغربية , وقتل حينها العشرات من الجنود الصهاينة , إلى جانب سقوط مئات من الشهداء بسبب شدة القمع الصهيوني واستخدام الأسلحة الثقيلة في قمع المنتفضين.

 

ويعرف عن الشهيد جمال أبو سمهدانة التزامه الديني القوي, وقربه الشديد من القادة الشرفاء للأحزاب الإسلامية والوطنية , حيث كان أعز أصدقائه الشهيد محمـد الشيخ خليل قائد سرايا القدس الذراع العسكري للجهاد الإسلامي , الذي اغتالته القوات الصهيونية قبل أشهر من اغتيال ” أبو عطايا” في قصف صهيوني لسيارته بعد أسابيع قليلة من انسحاب القوات الصهيونية من قطاع غزة .

 

ولعل هذه الأجواء التي مر بها الشهيد الشيخ جمال أبو سمهدانة, دفعته لاستثمار انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 م , نحو الانتفاض على قيود أوسلو التي شكلت نقطة سوداء في تاريخ مقاومة الشعب الفلسطيني, وبلغت خطورتها مع عمليات التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة والجيش الصهيوني , على شكل تسيير دوريات مشتركة في شوارع قطاع غزة , وكان الشهيد ” أبو عطايا” يؤمن بأن هذا الواقع الصعب بحاجة إلى انتفاضة شاملة , ضد الاحتلال الصهيوني حتى تعود البوصلة إلى وجهتها الطبيعية نحو القدس المحتلة .

 

بدايات تأسيس لجان المقاومة :

انطلقت انتفاضة الأقصى المباركة في سبتمبر من عام 2000م , حيث كان للشهيد ” أبو عطايا” فضل الريادة مع مجموعة من إخوانه المجاهدين , في تأسيس لجان المقاومة الشعبية كمشروع جهادي لقتال العدو الصهيوني , و إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوفه , من أجل حرمانه من الاستقرار على الأرض المغتصبة و سلبه عنصر الأمان الذي يسعى إليه العدو الصهيوني بكل طاقاته الهائلة.

شكل الشهيد “أبو عطايا” أول خلية عسكرية , سجل لها العمل العسكري المميز حيث كانت أول عملية عسكرية في انتفاضة الأقصى , هي عملية ” استهداف باص ضباط أمن صهاينة بالقرب من معبر رفح حيث كان المشرف المباشر عليها، وقد نفذت لجان المقاومة الشعبية العديد من العمليات العسكرية النوعية, والتي كانت في شكل المواجهات الشرسة مع قوات الاحتلال الصهيوني, وعمليات الاقتحام الجسورة و العمليات الاستشهادية المباركة, وتوج هذا الجهد المبارك بتدمير دبابة ” ميركافا 3″ والتي توالى تدميرها على أيدي مجاهدي المقاومة بعد ذلك أكثر من خمس مرات في أقل من عام .

 

أبو عطايا والملاحقة الصهيونية :

تعرض الشهيد جمال أبو سمهدانة أبو عطايا لخمس محاولات اغتيال, حيث كانت بصماته الناصعة وخبرته العسكرية واضحة وجلية, وشجاعته في تنفيذ أضخم وأكبر العمليات العسكرية ضد العدو الصهيوني , فكانت عملية صوفا , وعملية موراج , وعملية نتساريم وجسر الموت وفتح خيبر وكيسوفيم , إضافة إلى العديد من العمليات الجهادية العديدة, وكان لشهيدنا القائد الفضل في فض الكثير من النزاعات الداخلية والمشاركة في العمليات المشتركة مع سرايا القدس وكتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى وتنظيمات أخرى .

 

وكانا أول عامين للانتفاضة الفلسطينية ذروة عمل لجان المقاومة الشعبية عبر أربع عمليات متتالية لتفجير الدبابة الصهيونية الشهيرة ” الميركافاه ” حيث قتل خلالها عدد كبير من الجنود الصهاينة هذا الأمر الذي وضع الشهيد ” أبو عطايا ” وقادة اللجان في دائرة الاستهداف الصهيوني .

وحمل الكيان الصهيوني الشهيد أبو عطايا مسئولية عمليات الميركفاه وتطوير لجان المقاومة لصواريخ تطلقها باتجاه المغتصبات الصهيونية ووضعته في دائرة الاستهداف المتواصل حيث حاولت أكثر من خمس مرات اغتياله على فترات مختلفة خلال الانتفاضة الفلسطينية لكن جميعها باءت بالفشل.

المجرم بيرتس يتابع عملية اغتيال ” أبو عطايا” :

بيرتس أعطي الأوامر لقتل الشهيد ” أبو عطايا” أبو سمهدانة وتابع العملية بدقة مع الطيار المنفذ للعملية؟ كشفت مصادر إعلامية صهيونية اليوم الجمعة تفاصيل عملية اغتيال الشهيد القائد “جمال أبو سمهدانة” بدقة متناهية، مشيرة إلى أنها كانت بأمر من بيرتس الذي تابع العملية خطوة بخطوة مع أحد الطيارين الذين أطلقوا الصاروخ الأول من طائرة F16، وحسب المصادر الصهيونية التي نقلت تفاصيل العملية عن ضابط عسكري كان أحد المشرفين عن عملية اغتيال “أبو عطايا” فإنه وفي مساء أمس وصلت معلومات استخبارية لدى جهاز الأمن الصهيوني عن وجود عدد من كوادر المقاومة داخل موقع تدريب تابع لأحد الفصائل الفلسطينية، وتابع الضابط الصهيوني يقول، وبعد أن توصلنا لمعلومات أنه كان بداخل الموقع جمال أبو سمهدانة أبرز المطلوبين لدى قواتنا، قام ضابط برتبة عقيد في جيش الاحتلال بالاتصال بوزير الحرب الصهيوني “عمير بيرتس” وأبلغه بذلك، إلا أن بيرتس طلب التريث والتأكد من المعلومات التي أكدت أن أبو سمهدانة كان يخطط لعملية ضخمة في الكيان الصهيوني إلى جانب عدداً من كوادر الفصائل الفلسطينية في منطقة أبو سمهدانة.

ومضي الضابط الصهيوني يقول “وبعد قليل من التأكيد على تلك المعلومات أمر بيرتس الذي وصل لمقر وزارة الحرب بسرعة للاجتماع بعدد من ضابط الجيش، وقام بالموافقة على اغتيال أبو سمهدانة وجميع من كانوا معهم وكانوا يبلغون أكثر من 16 فلسطينياً، موضحاً أنه تم اغتيال أبو سمهدانة بعد خروجه من موقع التدريب بالإضافة لمن كان معه من كوارد المقاومة، وقد تم استهدافه أثناء حديثه مع كوادر المقاومة على مدخل موقع التدريب المستهدف وأشار الضابط الصهيوني في ختام تصريحات التي أدلى بها لصحيفة جيروسالم بوست و موقع الجيش الصهيوني إلى أن بيرتس تابع شخصياً مع أحد الطيارين الذين نفذوا مهمة الاغتيال ووصفها بالمهمة وأنها إيجابية جداً لوقف ما وصفه بالإرهاب الفلسطيني.

ليلة الاستشهاد غزة لم تنام

وفي ليلة الجمعة يوم الخميس 8/6/2006م بعد أن كان صائماً , كان موعد اللقاء لشهيدنا القائد المعلم الأب وهو يجهز مجموعة من الاستشهاديين الذي استشهدوا معه وهم الشهيد أحمد مرجان ” أبو ستة ” , والشهيد نضال موسى والشهيد محمد عسلية .

عشرات الألاف تخرج في وداع الشهيد أبو سمهدانة ورفاقه في مدينة رفح :

مع صيحات الثأر والانتقام شيعت عشرات الآلاف من الفلسطينيين في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة جثمان الشهيد جمال أبو سمهدانة (أبو عطايا) وثلاثة من معاونيه إلى مثواهم الأخير في مقبرة الشهداء والذين استشهدوا مساء أمس في غارة صهيونية على أحد مواقع التدريب التابعة للجان المقاومة الشعبية في المدينة.

وحمل المشيعون جثامين الشهداء على الأكتاف وهم يرددون الهتافات والشعارات التي تدعو إلى الثائر والانتقام وتنفيذ العمليات الاستشهادية داخل العمق الصهيوني.

وسار الموكب في كافة الشوارع والميادين الرئيسية وهم يحملون صور الشهداء ويهتفون بتضحياتهم ونضالاتهم على مدار سنوات طويلة قبل ان يصلوا إلى منزل ذوي الشهيد القائد (أبو عطايا) لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة التي اعتبرت من أصعب اللحظات في مدينة رفح قبل أن يحمل جثمانه إلى مقبرة الشهداء ليرتقي إلى رياض الجنان بإذن الله تعالى نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً وإن دماء قائدنا أبو عطايا لم تزيدنا إلى قوة ووحدة , رحم الله الشهيد جمال أبو سمهدانة أسد بيت المقدس و أسكنه فسيح الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .

 

زر الذهاب إلى الأعلى