الشهيد القائد الميداني / حامد أحمد الخضري
ما زالوا أحياء في العقول والقلوب لهذا فهم الحاضرين بعد غيابهم تأنس بصحبتهم النفوس ويسعد بهم الوجود فهم نجوم التاريخ المتلألئة في سماء البشرية ورمز للعطاء وقدوة الأجيال ومثل الوفاء أفلحوا حين “صدقوا ما عاهدوا الله عليه”، فلم تبكِه عيون أهله فقط، إنما أدمى فراقه قلوب كل من عرفوه، فكان منهم الشهيد المجاهد: حامد أحمد الخضري.
الميلاد والنشأة
الشهيد حامد الخضري (34 عاماً) رجل الأعمال الشاب الذي لم يكن يخيب راجياً ولم يكن يرد فقيراً، هذا ما روته عشرات العائلات الفقيرة التي كان يتفقدها ويستر عوزها بالمأكل والملبس والمشرب ليس هذا فحسب بل كان يتفقد ويتعهد حلقات تحفيظ القرآن الكريم، عملاً بقوله تعالى “مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً”.
وُلِدَ شهيدنا البطل في مدينة غزة 8/7/1985م، لأسرةٍ متواضعةٍ محافظةٍ في بيئةٍ تميَّزت بالهدوء والاحترام والمحبة والوئام.
وعرف أهالي الشجاعية والشعف بالتحديد الشهيد الخضري والملقب بـ”أبو محمد”- بجوده وكرمه وسعة صدره، ولم يعرف عنه يوماً أنه ردّ أحداً، حيث كان يملك شركة خاصة به لصرافة الأموال.
كان شهيدنا منذ صغره مهذباً مؤدباً محبوباً من قبل الجميع، تميز بحسن أخلاقه مع أهله وأقاربه رحمه الله تعالى ومثلما تحلى بتلك الأخلاق داخل بيته، تماماً كان في تعامله خارج بيته
درس حامد مراحله الدراسية المتعددة في مدارس حي التفاح، حيث كان نموذجاً للطالب المتفوق
تزوج شهيدنا المجاهد “أم محمد” التي كانت له عوناً في حياته اليومية والجهادية، وقد أقر الله عينه بخمسة من الأبناء، وكان يحرص أن تكون معدلاتهم الدراسية مرتفعة، ليكونوا بإذن الله قرة عين لوالدتهم ويعينوها على إكمال المسير الذي بدأه والدهم.
كان المسجد مشعل النور لدربه وأنيسه في وحشته، فلازم حامد منذ طفولته المسجد، كيف لا وهو الذي نشأ وترعرع في كنف أسرة مؤمنة ملتزمة وتربى على حب الدين والمحافظة على الصلاة، ولم يكن يضيع صلاة الفجر بل كان يحافظ عليها ويحث الشباب على الالتزام بها لأنها مصنع الرجال ومخرجة المتقين والأبطال.
شهد له من عرفوه بالخلق الكريم والعلم الكثير وزاده شرفًا أن يكون من أهل الجهاد والقرآن، فبدا بعد رحيله مسجد صلاح شحادة بحي التفاح حزينًا بمن فيه، على فراق الشهيد الخضري، فلطالما شهدوا له فيه بالالتزام فكنت نعم المجاهد الروحاني وكنت كثير البكاء من خشية الله، وكفاك أن المحاريب والخلوات تشهد له بذلك.
نموذج في العطاء
خبر استشهاده كان صعباً، فحامد صاحب الابتسامة والقلب الحنون ترك خلفه حزناً كبيراً لأنه كان من الشباب النادر في حي التفاح الذين كسبوا ود وحب وتقدير الناس، فأبا محمد رجل قليل ما تجد مثله، كان نموذجاً يحتذى به، كريماً وشهمًا في تقديم المساعدة والعون لمن يلجأ إليه، ولم يعرف عنه يوماً أنه ردّ أحداً، عرفته أسر وأزقة وشوارع حي التفاح راعياً للأسر المستورة متفقداً لأحوالهم، ويوفر لها احتياجاتها المالية أو يؤمن لهم المأكل والملبس ويتكفل باحتياجاتهم الخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها سكان قطاع غزة نتيجة للحصار الصهيوني وتلاحق الحروب والعدوان عليهم.
وبدموع ممزوجة بالحزن والفخر، يؤكّد والد الشهيد أن ابنه كان سبباً بعد الله في افتتاح عشرات المشاريع للمئات من الشباب والأُسر التي تقطعت بها السبل بسبب الحصار وضيق العيش.
كثير تلك المواقف التي تبرز عطاء هذا الرجل اللا محدود وحبه الشديد للخير، فكان مثالاً حياً للمجاهدين المخلصين وقدوة حسنة لمن خلفه، فكما شهدت له ميادين الجهاد كم كان خدومًا لها، شهدت له الناس حبه للعطاء والصدقة، فكان معطاءً بصمت، كريماً دون حدود، لم يكن ماله ملكا له، بل ملكا للفقراء، ومسخراً لخدمة المجاهدين في سبيل الله
انضم حامد إلى صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” مطلع عام 2003 م من باب حبه للجهاد والاستشهاد في سبيل الله، ورغبته الشديدة في الدفاع عن أرض فلسطين من دنس المحتل، وكانت بدايته مشرقة في صفوف الكتائب.
وتسابق مع كل إخوانه على الجهاد والتضحية والبذل، وقد كشف الوقت عن شخصية عسكرية مميزة في اتزانها وفطنتها وقدراتها العسكرية، وظهرت عليه ملامح القيادة بعدما خطى في مشوار الجهاد يرابط على ثغور الوطن ويحمي حدوده، فأثبت جدارته واستطاع حيازة ثقة إخوانه، فكان قد تدرج الشهيد حامد في رتبته الجهادية بين إخوانه المجاهدين، حيث أصبح أميراً لمجموعة من المجاهدين، وبعد أن وجدت قيادة القسام فيه الكفاءة اللازمة تم تزكيته ليصبح أميراً لفصيل من كتائب القسام.
موعده مع الشهادة
كثيرون هم الذين يموتون كل لحظة، لكن قليل من نسمع بهم ونعلمهم، وقليل من ذاك القليل الذين يتركون بصمات غائرة في جبين التاريخ، وفي صدر صفحاته، يسطرونها بمداد الدم الأحمر القاني، فبتاريخ 5/05/2019م كان شهيدنا حامد مشتاق إلى لقاء الأحبة في الجنان، وكان على موعد مع مفارقة هذه الدنيا إلى دار الخلود، فعلى إثر عملية اغتيال استهدفته من قبل طائرات الاحتلال في منطقة السدرة وسط مدينة غزة، ارتقى شهيدنا البطل ونال ما تمنى وظفر بشهادة في سبيل الله عز وجل بعد مشوار جهادي مشرف في ساحات الجهاد