شهداء فلسطينقصص الشهداء

الشهيد البطل إبراهيم أبو ثريا

رحل إبراهيم أبو ثريا بعد أن رسم صورة من الصعب نسيانها في قلوب وأذهان الفلسطينيين والعالم، بدمائه التي روت أرض فلسطين، تحدى إعاقته وحمل الأمانة بكل إخلاص، ولم يمنعه نصف جسده من أن يذهب شامخاً يحمل علم بلاده فلسطين من أجل نصرة القدس، زاحفاً على قدميه، بمساعدة يديه.

فلم يتوقع هذا الاهتمام به قبل موته، كيف لا وقد تصدرت صورته عناوين الصحف، وأُبرزت داخل المجلات، وظهرت على شاشات التلفاز، وصدحت مكبرات الإذاعات باسمه، ليشاهد العالم بشاعة محتل تجرد من معاني الإنسانية بقتله لـ “مُقعد”.

كان أبراهيم شاباً عادياً، يعيش كباقي شباب قطاع غزة، لكن حكايته بدأت في أحد الأيام على قطاع غزة، وتحديدا عام 2008 عندما باغتت طائرة استطلاع إسرائيلية بصاروخ ثمانية مواطنين بمخيم البريج وسط قطاع غزة، كانوا يتواجدون بالمصادفة في تلك المنطقة، ليستشهدوا جميعاً، ويبقى أبو ثريا شاهداً ومعانياً مع الحياة جراء إصابته بقدميه، فقدر الله كتب إحياءه من الموت.

عانى أبو ثريا كثيراً جراء إصابته التي جعلته مبتوراً بنصف جسد، فبعدما كان قادراً على امتطاء قاربه، والعمل بمهنة الصيد التي أمتهنها منذ طفولته، أصبح بعد ذلك عاجزاً عن العمل، فظروف حياته الاقتصادية الصعبة دفعته للاتجاه بالعمل بكرسيه المتحرك بمهنة غسيل السيارات من أجل إعالة عائلته، ليثير بعمله هذا دهشة من يراه من الأصحاء، وذلك من أجل أن يكسب بعمله “دراهم معدودة”.

لم تمنع الإصابة الشهيد أبو ثريا من ممارسة هوايته بالسباحة التي أحبها إلى أن وصل إلى إحراز بطولة فلسطين للسباحة الحرة لذوي الاحتياجات الخاصة، وهو يقطن بمنزل متواضع بحي الشاطئ بمدينة غزة، فشظف العيش رسم ملامحه القاسية على وجهه، حارب إصابته منتفضاً بوجه المهانة ومحارباً للذل.

في مقابلة مع والدة الشهيداعتدال أبو ثريا (55 عاماً)  قالت : إبراهيم كان الشجاع والقوي والمثابر والطموح والغيور على فلسطين، وكان أيضاً المعيل لنا برفقة شقيقه محمد، لكن نحن الآن نعيش حياة صعبة مع فراق إبراهيم الذي أدمى بفراقه قلوب العالم.

وأشارت والدته إلى أن ابنها عمل عندما كان صغيراً ببيع البسكويت وعمل كصياد، وكان محبوباً بين جيرانه وأصدقائه وتعرض للإصابة أثناء مروره بالقرب من الطريق المؤدي إلى مخيم البريج وسط قطاع غزة عام 2008 ليفقد قدميه مع الإصابة.

وتابعت قائلة والدموع تذرف من عينيها: “إبراهيم هو واحد من بين الرياضيين الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض فلسطين، وهم بمقدمة الصفوف كانوا ورسموا صورة من الصعب أن تُمحى من ذاكرة السنين، فهو حصل على جائزة فلسطين الخاصة بالسباحة للأشخاص ذوي الإعاقة، كما شارك في سباقات الجري بالكراسي المتحركة.

وأضافت  أبو ثريا: “لا تكاد تمر مناسبة وطنية إلا ويتواجد بها إبراهيم، فميدان المواجهة يشهد له إصراره وعزيمته وإرداته التي تسلح بها رغم إصابته، فمنذ قرار إعلان الرئيس الأمريكي بأن القدس عاصمة إسرائيل، لبى إبراهيم نداء القدس من أجل نصرتها، فكان واحداً من الكثيرين من الشبان الفلسطينيين الذين يتواجدون على الشريط الحدودي الفاصل مع أرضنا، رافعاً شارة النصر وحاملاً لعلم فلسطين.

رحل نصفه قبل تسعة أعوام، ورحل هو إثر إطلاق جنود الاحتلال الذين تجردوا من معاني الإنسانية رصاصة أردته قتيلاً شرقي حي الشجاعية بمدينة غزة، دون اكتراث بأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، تاركاً خلفه علمه وكرسيه المتحرك وأمه وشقيقات ست.

ووسط أجواء من الغضب والحزن شيع الفلسطينيون الشهيد أبو ثريا، والذي استشهد في 16 كانون الأول، ليرحل وتبقى كلماته العطرة التي خرجت من حنجرته راسخة في قلوب العالم: “هذه الأرض أرضنا ومش راح نستسلم، وأن شعب فلسطين هو شعب الجبارين”.

زر الذهاب إلى الأعلى