الشهيد أحمد أبو عيش
الشهيد أحمد أبو العيش (30 عامًا) الأب الحاني، القلب والزوج الرؤوف المُحب، أبو الأميرات الثلاث “صبا وسالي وسوار” واللواتي لم تتجاوز أعمارهن عدد أصابع اليد، تفتقده كل واحدة على طريقتها الخاصة، أب يحتمون بظهره بينما كان يحمي ثغور الوطن، ويفتقده مخيم قلنديا قائدًا مغوارًا ورجلاً بألف رجل بكته الرجال يوم أن غادر في دجى ليلةٍ حالكة لم يتجلَ من سوادها إلا شعاع بدره وهو يكتمل لحظة اللقاء بالرفيق الأعلى.
عندما اقتحم جنود جيش الاحتلال مخيم قلنديا فجر السادس عشر من تشرين الثاني لعام 2015، لهدم منزل الأسير محمد أبو شاهين المتهم بتنفيذ عملية دير ابزيع، فهبّ رجال قلنديا لمواجهة جنود الاحتلال ومحاولة منعهم من إتمام الاقتحام الذي زلزل أركان المخيم الصغير، وخرج “أحمد أبو العيش” بعد أن قَبَّل صغيراته الثلاث مُودعًا إياهن دون أن يدري أنه الوداع الأخير.
هجم جنود الاحتلال بلا هوادة وباشروا بإطلاق نار بشكلٍ جنوني، إضافة إلى قنابل إنارة وصوت، مع هدير آليات في كل مكان كسرت هدوء المخيم، وجرافات وتفجير وإصابات واختطاف، فارتقى الشهداء وكان منهم “أحمد أبو العيش” الذي تلقى رصاصة في الرأس من قناصة تركته مُلقى ينزف على الأرض، ومنعت أن يتقدم أي شخص لإسعافه بتصويبها السلاح إزاء كل من يقترب منه حتى سيارات الإسعاف وأردته شهيدًا يعانق جسده تراب الأرض، وروحه جنة السماء.
تقول زوجته ريما: “جاءني نبأ استشهاده وأنا في حالة تأهب وغليان والمخيم كله يفور فورًا إثر الاقتحام المريع، لم أحتمل صدمة الخبر وأصبحت في حالة لا وعي غير مدركة ما يجري من حولي، لكني وبمجرد أن تفهمت الخبر عرفت حجم المسؤولية التي تركها زوجي أحمد على أكتافي، وودعته وأنا أعدّه أن أضع بناته في قلبي وأمام عيني وأرعاهن كما لو كان بيننا”.
ويعمل أحمد في تنظيم حركة السير في الشارع الرئيسي لقلنديا وهو من قرية سيريس المهجرة_ جنين، ويقطن مخيم قلنديا، وقد أمضى سبع سنوات في سجون الاحتلال على مرات متفرقة كان آخرها قبل زواجه واستمر لأربع سنوات ونصف السنة، وكانت تخشى والدته أن توافيها المنية قبل أن تزوجه إلا أن الله أكرمها بأن زوجته بعدما خرج مُحررًا ثم توفيت بعد أسبوعين.
ترجل أحمد فارسًا لم يخشَ لقاء عدوه سعيدًا بلقاء ربه فبكاه مخيم قلنديا بأهله وناسه وأزقته وجدرانه، بكى رجلًا لم ترَ عين زوجته وبناته أحنّ منه أبدًا.