الشهيدة لولا إلياس عبود :
إلى أحب الناس ..إليك يا قديسة يا أمي :
أرجو المعذرة وأن تسامحيني لأني خرجت من دون إذنك ولكن هناك طير يغرد سجين بحاجة لمن يطلق سراحه , وهناك لنا أرض خضراء وبيت صغير وذكريات ولنا رفاق وأحبة , وبحيرة زرقاء اسمها بحيرة القرعون , فكيف يمكنني ياعزيزتي الجلوس والضحك والقرعون تتخبط مع القرى المجاورة لها , فكيف أتزين وألعب ولي أصدقاء يستشهدون وآخرون يأسرهم العدو وهم ما فعلوا سوى واجبهم , ليس لأجل أنفسهم فحسب وإنما لأجل كل العيون الخائفة والمضطهدة.
أماه ياأماه سامحيني لأنّي أحبك حباً جمّاً لا يعرف الخداع , فأنا لأجلك أبي وأخوتي وأصدقائي سلكت طريق من سبقني عليها , طريق مساره صعب قليلاً ولكنّه مليء بالحنان لأنّه طاهر ودافئ , طريقنا سيعيدنا إلى كل ما نهوى وما نود .
أسألك هل تمر الأعياد مرة دون غصة ؟ وهل يمكننا فعل ما نشاء دون قهر ؟وهناك العديد من الأسئلة والجواب واحد :لا
فنحن كالبهائم نعيش لذلك فلنبحث معاً عن النور لكي نبدد الظلام ونرسم وروداً وألحاناً ,فلننخرط في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية لأنها الأم فعلاً .
بتلك الكلمات اختصرت الشهيدة البطلة لولا عبود قصة عشقها واندفاعها نحو الشهادة , فقد ولدت الشهيدة لولا إلياس عبود في بلدة القرعون في البقاع الغربي في لبنان عام 1966 , نشأت وترعرعت في أسرة مناضلة والدها الصحفي والمناضل الوطني إلياس عبود , انتسبت عام 1981 إلى صفوف الحزب الشيوعي اللبناني وقامت بالعديد من العمليات ضد العدو الصهيوني وعملائه .
كانت الساعة قد قاربت الثانية عشرليلاً عندما وصلت ابنة القرعون لولا عبود إلى قريتها ومن هناك سلكت لولا طريقاً وعراً جداً صعوداً إلى قمم جبال الباروك ثمّ نزولاً إلى بلدة صبغين عند الكتف الغربي للبقاع الغربي ومنها تسللت إلى نقطة معينة في أحد البساتين في أطراف بحيرة القرعون حيث كان ينتظرها أحد المقاومين , انتقلا سوية إلى الجهة الشرقية من القرية ودخلا منزلاً سرياً يستخدمه عناصر المقاومة الوطنية اللبنانية نقطة تجمع وانطلاق وكان عبارة عن فيلا فخمة مطلة على موقع لتجمّع آليات العدو وجنود الاحتلال الإسرائيلي .
لم تغفو لولا كثيراً في تلك الليلة , كانت تنام قليلاً ومن ثمّ تنهض , تغفو ولتعود تنهض فتذهب مسرعة نحو نافذة صغيرة مطلة على الموقع تلقي نظرة ومن ثم ّ تلتفت نحو البحيرة , تحدثت في تلك الليلة عن عمليات المقاومة وعن القرعون والشهداء وغنت ” غابت شمس الحق ” لجوليا بطرس .
وفي الصباح في الحادي والعشرين من نيسان 1985 غادرت لولا نومها المتقطع لتنطلق مع افراد مجموعتها المكونة من ثلاثة أشخاص بهدوء وبشكل متقطع فيما بقي الرابع في المنزل يراقب من بعيد . كان الاتفاق أن تتبع لولا إشارات فارس كي يدلها كيف تسلك الطريق الترابية ومن ثمّ تتجه نحو مدخل الموقع من الناحية الخلفية , على أن يقوم بمهمة حمايتها وإسنادها وتأمين انسحابها .
وعند وصول المجموعة إلى حدود الأرض التابعة للمنزل بمحاذاة الطريق الترابية وحيث يفصل بينهما شريط شائك رفع فارس الشريط فعبرت لولا من تحت الشريط بخفة ومن ثمّ وقفت وطلبت من فارس أن يسلمها الحقيبة , مدت يدها وأخذت الحقيبة وضعتها على ظهرها وسارت بخطوات سريعة نحو الهدف , توقفت قليلاً . كان فارس يهمّ بتجاوز الشريط الشائك فيما الرفيق الأخر كان لايزال خلفه .. انتبه فارس إلى أن لولا توقفت عن السير فتوقف هو أيضاً في مكانه منبطحاً ثمّ التفتت إليه وابتسمت واستدارت ثانية وأكملت سيرها وعجلت خطاها , وماهي إلا لحظات حتى أطلق العدو النار نحو المجموعة فما كان من لولا إلا ان ركضت بسرعة نحو مدخل الموقع وهناك فجرت نفسها ودوّى انفجار هزّ الموقع أدى إلى إلحاق العديد من الإصابات في صفوف الدورية الاسرائيلية واستشهاد لولا وإصابة أحد رفاقها بجراح , فتناثرت لولا أشلاء لتغرس ابتسامتها وضحكاتها على أطراف القرعون تمهيداً للنصر القادم .