الشهيدة حياة بلبيسي … زهرة من فلسطين
هي ابنة نابلس ، ولدت فيها عام ألف وتسعمائة وثلاثين ( 1930 ) ثم هاجرت الأسرة الى مدينة السلط في الأردن حيث توفي والدها ، فعادت مع الأم الى القدس ، والتحقت بكلية دار المعلمات فيها ، ثم أصبحت ، بعد ذلك ،
معلمة في دير ياسين، ووقعت الواقعة في يوم جمعة ، وهو يوم عطلة مدرسية ، وعلى أزير الرصاص ، ودوي المدافع أسرعت حياة الى صندوق الإسعاف تحمله ، ولم تنس أن تضع شارة الصليب الأحمر على ساعدها ، وتركض الى القرية متأكدة أن هنالك من يحتاجها
ولم تجد الفتيات تلميذاتها ، اللواتي مرنتهن على أعمال الإسعاف ، فقد كن أشلاء مطروحة ، هنا وهناك ، فوق أرض تبلل كل شبر ِ منها بالدماء وسارت الشهيدة بين القتلى ، والجرحى ، والأنين ، والمناظر التي تفتت الأكباد .
كان بإمكانها أن تهرب .. أن تعود من حيث أتت ولكنها راحت ، وهي تتمزق ألمًا ، تبل شفتي هذا بقطرة ماء .. وتضمد جرح ذلك .. سارت بين الأشلاء وبحور الدماء ..هذا ، وقد تحول العدو الى المنازل الخالية من أهلها ، ينهب ، ويخمل كل ما يمكنه أن يحمل من القرية التي أصبحت مقبرة بعد أن كانت قرية .
وبرفقة صديق عجوز ، سارت حياة الى خارج القرية الذبيح ، في طريق وعر الى القدس .. واجتازت منطقة الخطر .. وبغتة طرق سمعها صوت خافت هو صوت جريح يستغيث ، فعادت مسرعة .
لم يكن قد تبقى في صندوق إسعافها ضمادات ، فنزعت غطاء رأسها ، وأخذت تمزقه ، وتشد به ساق الجريح الذي كان ينزف دمًا …
وأبصرها اليهود من بعيد تنقذ شابًا عربيًا ، فسددوا نيرانهم إليها .. وأصابتها رصاصة قاتلة ، فسقطت شهيدة بين شهداء دير ياسين .
ولم تعد حياة الى أمها التي كانت تنتظرها على أحر من الجمر .. وفي اليوم التالي ، في العاشر من نيسان عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين ( 1948 ) طرق الباب جريح يتحامل على نفسه .. كان ذلك الجريح آخر من أنقذته حياة ، وقد جاء لينبئ الأسرة عن نهاية الشهيدة المسعفة .
زهرة من زهرات بلادي ، حياة بلبيسي .. عمرها ثمانية عشر عامًا يوم استشهدت ، ولكنها لم تبحث عن اللهو والمتع في الحياة ، بل انصرفت لأداء واجب مقدس ، فسجلها التاريخ في عداد الشهيدات الباسلات .