الذكرى ال٧٢ عام لمجزرة قرية عيلبون
قرية عيلبون؛ هي إحدى قرى الجليل، الواقعة غرب بحيرة طبرية على الطرف الشمالي الشرقي لسهل البطّوف، وتبلغ مساحتها حوالي 14712 دونماً، وتحيط بها أراضي قرى: المغار، والمنصورة، ودير حنا، وعرابة، وحطين، ونمرين، وخربة الوعرة السوداء. في عام 1945، كان عدد سكانها يبلغ حوالى 530 نسمة، وبحسب تعداد العام 1949 بلغ العدد 675 نسمة. أما اليوم، فيصل العدد إلى حوالي 5 آلاف نسمة، تشكل الطائفة المسيحية المارونية الأغلبية منهم، بالإضافة إلى عدد أقل من السكان المسلمين. وتعتبر عيلبون منطقة تاريخية، وتنتشر حولها عدة مناطق أثرية، من بينها خربة ممليا، ونتيف، وخربة سعد، ومسكنة.
في صباح 30 تشرين الأول/اكتوبر 1948، اقتحمت الفرقة 12 من لواء غولاني قرية عيلبون وهي تطلق الرصاص، وتنشر الخوف والموت في كل مكان. كان القصف الصهيوني عنيفاً، مما اضطر متطوعي جيش الإنقاذ، بعد قتال عنيف، إلى الانسحاب من القرية قبل المجزرة بيوم… ومن ثم قرر أهالي القرية الاستسلام .
التطهير… مع سبق الإصرار والترصد
المخطط العام للاقتلاع والتهجير وسلب أرض فلسطين من سكانها تم تنفيذه على عدة مراحل، يندرج في إطار احتلال البلاد عام 1948 وكانت العملية التي أطلق عليها الصهاينة اسم “حيرام” (ملك صور الفينيقي) مخصصة للمنطقة التي تقع فيها عيلبون.
مع بدء تلك العملية، ألقت طائرات للعدو منشورات تدعو فيها سكان قرى (دير حنا، عيلبون، عرابة، اقرث، الفرّاضية، معليا، خربة عربين، كفر عنان، تربيخا، ترشيحا، ميرون، الصفصاف، سعسع، الجش، فسوطة، قديتا، وغيرها من القرى)، إلى الاستسلام. وقدمت عيلبون، كباقي القرى، أنموذجاً في التصدي، برغم قلة العتاد والتسليح، وقد دعَمَ الأهالي في معركتهم عددٌ من متطوعي جيش الإنقاذ قبل أن يتلقى هؤلاء أوامر بالانسحاب عشية دخول العصابات الصهيونية إلى القرية.
في يوم الاقتحام، تجمّع الأهالي في الكنيسة القديمة بوسط القرية، ورفعوا الأعلام البيضاء، ظناً منهم بأنّ الموت لن يطالهم إذا ما احتموا بمكان مقدّس. استقبل خوري القرية قوات الفرقة 12، وأعلن القساوسة استسلام القرية رسمياً، إلا أنّ المخطط لم يكتمل بعد، فالهدف الصهيوني لا يُختصر باستسلامهم، وإنما يتعدى ذلك إلى طردهم، وبالقوة.
المؤرخ الصهيوني بني موريس، يدّعي في الجزء الثاني من كتابه “مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين”، بأنّ العصابات الصهيونية تركت القرى المسيحية وشأنها بشكل عام، باستثناء أهالي عيلبون، وذلك بسبب حدوث معركة مع جيش الإنقاذ أصيب خلالها ستة جنود “إسرائيليين” ودُمِّرت أربع مركبات مدرعة. وثمة سبب آخر يتمثّل في حادثة الجنديين الصهاينة اللذين فُقدا خلال هجوم للعصابات الصهيونية على القرية في 12 أيلول/سبتمبر. وفق ادّعاء موريس، فخلال ذاك الهجوم، نظّم الأهالي والقوات التي تصدت له موكباً حملوا فيه رأسي الجنديين وجابوا بهما شوارع القرية، وأنه عُثر في ما بعد على الرأسين في أحد منازل القرية.
بيد أنّ موريس، يعترف (كعادته) بالجرائم التي ارتُكبت آنذاك، لكنّه في الوقت نفسه يستند إلى منطق مفاده بأنّ كل الفلسطينيين أعداء ومقاتلين، وذلك في سياق تبريره لعمليات التطهير العرقي التي ارتكبتها العصابات الصهيونية. ولعلّ ما ورد في البرقية التي بعثها قائد كتيبة “كرملي” الجنرال موشيه كرمل، إلى الألوية العسكرية في الأقاليم بتاريخ 13 تشرين الأول/اكتوبر، يؤكد حقيقة أنّ ما حصل في عيلبون جاء ضمن مخطط مسبق، وقرار يقضي بالتهجير: “اعملوا ما في بوسعكم لتطهير سريع وفوري للمناطق المحتلة من كل العناصر المعادية طبقاً للأوامر التي أعطيت، يجب مساعدة السكان على مغادرة المناطق التي احتلت” (سرور إلياس صليبا، النكبة في عيلبون، 1998).
درب الآلام… طرد الأهالي
تَجمّع الأهالي في ساحة الكنسية وسط القرية، وبعد فصل 12 شاباً عن باقي السكان، ليساقوا إلى الموت، أمر قائد الفرقة الأهالي بالخروج من القرية رافضاً طلب القساوسة باقتصار عملية الترحيل على الرجال فقط وترك النساء والأطفال. سار الأهالي في موكبٍ، تتقدمهم آليات عسكرية ويسير أمامها ستة شبان من القرية بناءً على أوامر من القوات الصهيونية ليكونوا بمثابة درع بشري خوفاً من التعرض لإطلاق نار. قاد جنود الفرقة الإسرائيلية موكب الناس إلى المغار، وهي القرية المجاورة لعيلبون، ومن ثم إلى الفراّضية وكفر عنان، وهناك قامت إحدى مدرعات الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على الأهالي فاستشهد أحد الشيوخ، سمعان الشوفاني (60) عاماً، وأصيبت ثلاث نساء. وفي الفرّاضية نهب الجنود الصهاينة 500 جينه إسترليني من الأهالي وسرقوا حليّ النساء، فيما اقتيد 42 شاباً من شباب القرية إلى المعتقل.
ظلّ الموكب يسير وسط صراخ الأطفال جوعاً وتعباً، حتى وصل المهجرون إلى قرية ميرون، ومن ثم إلى الحدود اللبنانية، فمخيم الميّة وميّة. تقول رضية نمر عيد (82 عاماً) من عيلبون:
“نمنا بميرون 4-5 أيام تحت السما، بين الزيتون. كان يجي تنك المي، اليهود كانوا يسقونا بغطا المطر. بعدها وزعوا علينا حرامات جابوها من البيوت اللي الناس تركتها. الجندي اليهودي طلب من أبوي نمر عيد يوزع الحرامات على الناس بمعرفته. كانت الناس تفوت على قرى فاضية وتوخذ شوية أغراض تفيدها بالطريق. نمنا ليلتين وبعدها قالوا لنا يلا على لبنان. وصلنا الرميش بلبنان. بالرميش كان مليان ناس، عين المي كانت وسخة. البقر كان يوسخ فيها. بالرميش كانوا ناس لاجئين من دير حنا وعرابة وسخنين، لأنه كثير ناس من هاي القرى كانوا طالعين قبلنا. ظلينا بالرميش ثلاثة أيام، ثالث يوم أجت باصات وقالوا لنا اطلعوا بالباصات. أخذونا على مخيم لاجئين الميّة وميّة. هناك أعطونا أكل وحرمات وشوادر”