الذكرى الـ 16 لاستشهاد الشيخ صلاح شحادة..
لم يتوقف الشيخ صلاح شحادة عن قيادة الجهاز العسكري لحركة حماس، رغم اعتقاله في سجون الاحتلال عام 1988م، فبعد أشهر فقط من اعتقاله، أصدر من داخل سجنه قرارًا عسكريًا بالغ الخطورة، إيذانًا بالبدء في عمليات أسر الجنود، من خلال رسالة مشفرة سربها لأحد أعضاء الخلية “101”.
يوم الثالث والعشرين من تموز عام 2002م، ترجل شحادة شهيدًا بعد أن أرسى قواعد العمل العسكري لحماس، وحوله من مجموعات صغيرة إلى ألوية منظمة، وكتائب متخصصة، وقوة قلبت موازين المواجهة في الصراع مع الاحتلال.
النشأة والمنطلق
ولد صلاح الدين مصطفى شحادة في مخيم الشاطئ في 24 من فبراير عام 1952م، هاجرت عائلته من مدينة يافا المحتلة إثر حرب عام 1948، تزوج عام 1976، وهو أب لست بنات، رُزق بالأخيرة أثناء اعتقاله.
درس المرحلة الابتدائية في مدارس الأونروا في مخيم الشاطئ للاجئين، ثم انتقل لدراسة المرحلة الإعدادية بمدارس بيت حانون لانتقال مكان سكنه، حصل على شهادة الثانوية العامة بتفوق من مدرسة فلسطين في غزة عام 1972م، ثم التحق بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية في الإسكندرية في العام ذاته.
عمل باحثًا اجتماعيًا في مدينة العريش شمال سيناء عام 1976م، وعُيّن لاحقًا مفتشًا للشؤون الاجتماعية في العريش، وبعد أن استعادت مصر مدينة العريش من الكيان “الإسرائيلي” عام 1979 انتقل إلى الإقامة في بيت حانون، واستلم في غزة منصب مفتش الشؤون الاجتماعية لقطاع غزة.
في بداية عام 1982 استقال من عمله في الشؤون الاجتماعية، وانتقل إلى العمل في دائرة شؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة.
العمل السياسي والعسكري
أسس الشيخ صلاح شحادة أول جهاز عسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”عام 1984م، والذي كان يُعرف حينها باسم “المجاهدون الفلسطينيون”، وكان عبارة عن مجموعة من الخلايا العسكرية السرية التي نفذت سلسلة من العمليات ضد الاحتلال، تحول اسم الجهاز إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام في عام 1991م.
كما شارك مع عدد من قيادة الإخوان المسلمين في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في ديسمبر عام 1987م.
كان لشحادة شرف التطور النوعي الذي اتبعته حماس في الانتقال من قتل جنود الاحتلال إلى أسرهم بُغية تحرير الأسرى من داخل السجون، فقد أصدر عام 1988م، أوامره لإحدى خلايا القسام السرية بتنفيذ عمليات أسر، كان أبرزها أسر الجنديين آفي سبورتس، وإيلان سعدون، تلاها العديد من عمليات الأسر.
الاعتقال والتعذيب
اعتقلته قوات الاحتلال عام 1984م؛ للاشتباه بنشاطه العسكري، ووُجهت له تهم تشكيل خلايا عسكرية، وتدريب أفرادها على استعمال السلاح، وإصدار أوامر بشن هجمات ضد أهداف عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة، ورغم أنه لم تثبت عليه أي تهمة، إلا أنه قضى في السجن عامين بموجب قانون الطوارئ.
بعد خروجه من السجن عام 1986 عمل مديرًا لشؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية إلى أن قررت سلطات الاحتلال إغلاق الجامعة في محاولة لوقف الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 1987، لكنه واصل عمله في الجامعة؛ ما أدى إلى اعتقاله في أغسطس 1988م.
وجهت له تهمة المسؤولية عن الجهاز العسكري لحماس، والوقوف وراء أسر الجنديين آفي سبورتس وإيلان سعدون، وحُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات ونصف، أضيفت إليه سنة بدل غرامة رفض الشيخ صلاح شحادة أن يدفعها، وبعد انتهاء المدة حُوّل إلى الاعتقال الإداري لمدة عشرين شهرا حتى أفرج عنه في مايو 2000م.
تعرض لأقسى أشكال التعذيب الجسدي والنفسي خلال مدة اعتقاله، وذكر الشيخ أن المحققين نتفوا لحيته شعرة إثر شعرة حتى شك أن تنبت له لحية بعد ذلك، كما أنه مكث في التحقيق قرابة العام، حتى بلغ مجموع سنوات اعتقاله 14 عاماً.
إعادة البناء
بعد خروجه من السجن أعاد بناء الجهاز العسكري لحركة حماس وترتيب صفوفه من جديد، بعد أن عملت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية على تفكيكه، ليجعل من انتفاضة الأقصى “نقطة انطلاق نحو تحرير فلسطين” كما قال في واحد من المهرجانات الجماهيرية.
بات شحادة القائد العام لكتائب القسام، الذي في عهده انطلق الصاروخ القسامي الأول تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، كنتاج لجهود وحدة التصنيع التي أنشأها إلى جانب عديد الوحدات والأكاديميات العسكرية المتخصصة.
كما كان له شرف التخطيط والإشراف على عدة عمليات استشهادية أودت بحياة العشرات من الجنود الإسرائيليين، حتى أصبح بعدها المطلوب الأول لقوات الاحتلال، وسعت بكل أجهزتها للوصول إليه واغتياله.
اغتياله
لعل يوم الثالث والعشرين من يوليو عام 2002م كان صادمًا للفلسطينيين جميعهم، خاصةً سكان حي الدرج شرق مدينة غزة، إذ صمَّ آذانهم انفجار ضخم ناتج عن قنبلة تزن طنًا ألقتها طائرات الاحتلال الحربية على واحد من المنازل في تلك المنطقة المكتظة بالسكان.
لم يطل الوقت حتى أدرك الفلسطينيون أن المستهدف هو الشيخ صلاح شحادة، حيث قضى شهيدًا و18 فلسطينيًا، بينهم زوجته، ومرافقه القيادي في القسام زاهر نصار، وثمانية أطفال، وقد أشرف على عملية اغتياله رئيس وزراء الاحتلال آنذاك أرئيل شارون، الذي هنأ جيشه برحيل “العدو الأول للكيان” حسب تعبيره.