الاستشهادية دارين أبو عيشة
كما هي فلسطين دوماً تقدم دماء أبنائها دفاعاً عن هذه الأرض المباركة لنصرة قضية أمة قد ذكرها الله عز وجل في كتابه المبين ، لم ننس ذكر استشهاديات فلسطين الذين أظهروا للعالم دور المرأة المسلمة في الجهاد لتكون حالة متميزة من التفاعل الأصيل بين الدين وعقيدة الجهاد والمقاومة والكفاح ولتبقى تجسد صدق العهد القاطع ، وبيعة الدم مع الله تعالى
لم تكن الشهيدة المجاهدة دارين أبو عيشة 22 عاما التي نشأت قضاء نابلس أولهن شهادة ولم تكن الأخيرة، كانت نشأة دارين أدب ودين قويم والتزام كامل بشريعة الإسلام وخلق رفيع أهلها لتتبوأ مكانة مرموقة في نفوس أهلها وأصدقائها فكانت ذات قبول واسع منهم دون استثناء ، حيث كانت دارين شعلة من النشاط والعمل والعطاء.
مع اندلاع انتفاضة الأقصى ، من سيل الدم الطاهر المتدفق ، وأشكال القمع والألم والقتل والدار والمعاناة ، أدركت دارين أن اللحظة الحاسمة والفرصة الغائبة التي طالما بحثت عنها وانتظرتها مليا قد حانت ، لكي تنتقم لجرائم وممارسات الاحتلال ونوازع الرغبة في الشهادة في سبيل الله
وسط كل هذا الاستكبار والظلم الذي تقوم به سلطات الاحتلال قررت دارين أن تمشق إرادتها الصلبة التي لا تنكسر ، وعزمها الفتي الذي لا يفل ، وان تبادر بفعل شيء ايجابي خدمة ونصرة لأبناء شعبها المقهورين في مواجهة حملة الإبادة التي تستهدف ضرب وجودهم وتصفية قضيتهم ،
كان لدارين أدورا فاعلة في مجتمعها كالتنشئة الاجتماعية في رعاية عوائل الشهداء والأسرى
مع قربها من عوائل الشهداء أضحت دارين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحلمها الكبير الشهادة في سبيل الله ، ولم تتأخر لحظة سعياً وراء إنفاذ حلمها وأمل حياتها.
مع انقضاء العام الأول من الانتفاضة ودخول المواجهة الفلسطينية الصهيونية عاماً جديداً كانت دارين تبحث عمن يوصلها لطوق الغوث والنجاة إلى أن نقلت الأنباء خبر العملية الاستشهادية الأولى التي تنفيذها امرأة فلسطينية في انتفاضة الأقصى عندما نفذت الشهيدة وفاء إدريس عمليتها في قلب القدس الغربية بتاريخ 27/1/2002 مما زاد الرغبة العارمة داخل دارين اشتعالاً حيث أيقنت حينها أن حلمها بات أكثر قرباً من أي وقت مضى بعد عدة محاولات من طلبها لقيادة حماس بتنفيذ عملية استشهادية وكان الرفض هو الرد الوحيد ، حيث وجدت ضالتها في كتائب شهداء الأقصى التي وافقت على قيام دارين بتنفيذ العملية وتجهيزها بالمتفجرات والأدوات اللازمة من الحزام الناسف إلى الأشخاص الذين سيتولون نقل دارين إلي مكان تنفيذ العملية داخل الكيان الصهيوني اقتربت ساعة الصفر ودخلت دارين في مرحلة جديدة لم يكن لها أي نظير طيلة حياتها هي مرحلة حياة مع الله بعيداً عن كل متاع وطيبات وملهيات وشوائب الدنيا فأكثرت من قيام الليل وقراءة القرآن ليلة استشهادها وبقيت كذلك حتى بزوغ الفجر.
وفي ذلك الصباح الوردي الجميل الذي رأت فيه أجمل صباح خرجت دارين من بيتها وتمنطقت بحزامها الناسف شديد الانفجار مستقلة السيارة التي ستقودها إلى مكان تنفيذ العملية برفقة اثنين من المناضلين من فلسطينيي الداخل وبينما مسافة الطريق تتقلص تدريجياً باتجاه الهدف المنشود إذ بالإجراءات الصهيونية تزداد كثافة وحواجزهم العسكرية تنتشر في كل مكان على المحاور والطرقات لتبدو المهمة أمام دارين ورفيقيها صعبة للغاية وشبه مستحيلة وكأن إنذارا قد بلغ أجهزة الأمن الصهيونية إزاء إقدام إحدى فصائل المقاومة على تنفيذ عملية استشهادية في ذلك اليوم
وبدا أن لا مناص من إكمال المسير فقد غدت دارين في منتصف الطريق تحاصرها الدوريات والحواجز الصهيونية من كل اتجاه وفيما الأفكار والهواجس سيدة الموقف حيال هذا المستجد الطارئ الذي يهدد بإفشال الخطة برمتها وصلت سيارة دارين ورفيقيها إلي حاجز “مكابيم “بين القدس و” تل ابيب ” حيث أصر الجنود الصهاينة على تفتيش السيارة والتدقيق في هويات ركابها فقام رفيقيها بالنزول من السيارة وتقديم هويتيهما للجنود وإخبارهم أن الفتاة الموجودة داخل السيارة هي شقيقتهم وأنهم في طريق العودة إلى المنزل فأصر الجنود عللا تفتيشها والتدقيق في هويتها وهنا تجلت دارين من السيارة وتوجهت ناحية الجنود وكأنها تهم بالاستجابة لأمرهم وإبراز هويتها وما أن اقتربت منهم حتى أطلقت العنان ليدها في الضغط عللا مفتاح التفجير لينفجر حزامها الناسف وترتقي إلي العلا شهيدة ويصاب رفيقيها بجروح ويعتقلا فيما اعترف جيش الاحتلال بإصابة ثلاثة جنود صهاينة بجروح
وقالت والدتها وهي تستقبل المعزيات في بيتها ” لقد كانت دارين شديدة التأثر بما يجري حولها ، وعندما سمعت نبأ إطلاق النار علي النساء الحوامل وهن في طريقهن إلي مستشفى الولادة مؤخراً أخذت تبكي وتمنت لو كان لديها قوة لتنتقم لهؤلاء المظلومات ”
وتوضح شقيقتها وتقول ” عندما خرجت دارين من البيت قالت أنا ذاهبة لشراء كتاب ثم عادت بعد عدة ساعات وبعدها خرجت ولم نعرف إلي أين حتى اتصلت بنا الساعة العاشرة مساء الأربعاء عبر الهاتف وقالت لا تقلقوا علي سأعود إن شاء الله لا تخافوا وتوكلوا على الله وفي الصباح سأكون عندكم وكانت تلك آخر كلمات سمعتها وسمعتها والدتي أيضاً نفسها ”
لا زالت روح دارين حية تعيش بيننا في أفئدتنا من بلدة بيت وزن وهي للحق تزن كالجبال في ثقل أدبها وأخلاقها وعلو همتها وعمق إخلاصها ومدى نصرتها لقضايا شعبها إنها فتاة لكنها بألف رجل