شهداء فلسطين

أنور عبد الله عزيز .. مفجر ثورة الاستشهاديين في فلسطين

أنور عزيز هذا الملائكي الذي لا ترى في وجهه إلاّ براءة الأطهار ، إنه عاشق التراب المقدس ، تُربة الوطن الجريح
إنه الملثم الأول الذي صرخ بالناس ليلة التتويج الأكبر للانتفاضة الكبرى بأنّ عيشة مغموسة بالذل والقتل والجبن لا بدّ وأنْ تنتهي من حياتنا .

هي همسات العشق التي نبتت وترعرعت في وجدانه تجاه أسمى قضية على وجه الأرض.. فَعِزّ هؤلاء الرجال نفتقده في أيامنا العجاف.. نفتقد نموذجاً مثّله شهيدنا في وقت كانت فلسطين على بوابة التنازل الرهيب والذي لا يمكن أن يقبلها منْ عشِقَ وطنه.. وعشق محبوبته –فلسطين-

المـيـلاد

ولد الشهيد البطل أنور عبد الله عبد الكريم عزيز في مخيم الثورة والبطولة مخيم جباليا في شمال قطاع غزة وذلك في 5-1-1965م. ذلك العام الذي شهد انطلاقة فريدة للغة الرصاص، خرج شهيدنا إلى دنيا مليئة بالمتناقضات الوقتية لينحاز بعدها لما هو أبدي في عرف الكفاح.

 

النشـأة

نشأ شهيدنا في بيت متدين ومحافظ حيث توفي والده وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره ، فكان من رواد المساجد منذ الصغر وذلك بعد أن تأثر بأخيه الأكبر.

 

أنهى شهيدنا البطل فترته الدراسية كاملة وبعد الثانوية حصل على دبلوم تربية وبعدها دبلوم صناعة.. وفي سنة 1989م تزوج وأنجب ثلاثة أطفال ، طوال هذه الفترة كان شهيدنا متميزاً بالذكاء الشديد وكما يصفه أحد إخوانه أنه سمي بالصبور لشدة صبره وعدم اهتمامه بالدنيا وهمومها اللحظية.

 

الانتماء

كان الحس الإسلامي لدى الشهيد أنور، يتكدس منذ الصغر وذلك بفضل تردده على (مسجد أبو خوصة) في جباليا، ومع معركة الشجاعية التي قادها أبطال الجهاد الإسلامي وأحداثها الرائعة كانت البداية الحقيقية لظهور الخيار الوحيد خيار الطلقة
تأثر الشهيد أنور كثيراً وأحب أن يسلك طريقهم حيث قاد مظاهرات عنيفة في مخيم جباليا الثورة والبطولة بعد حادثة استشهادهم.

 

ومع بداية الانتفاضة المباركة وبالتحديد مع حادثة المقطورة ذهب شهيدنا مع جموع غفيرة إلى المقبرة لدفن الشهداء وبعد الدفن تلثم شهيدنا البطل وخطب خطبة رائعة أذهلت الجماهير كلها حيث كان أول ملثم في الانتفاضة وكان لخطبته دور هام في تأجيج مشاعر المتظاهرين والذين دعاهم للهجوم على معسكر جيش الاحتلال القابع وسط المخيم المحاصر بالبارود والأسلاك الشائكة..
وبالفعل توجه الأهالي هناك وذلك بفضل الشهيد أنور ، ودارت مواجهات عنيفة استمرت لساعات الليل الطويل.

 

ولقد أخذ اسم البطل يتردد على كل لسان في المخيم والذين أعجبوا حقاً بشجاعته وكما يقول أحد أصدقائه لم أكن أتصور أن (أنور) يمكن أن يفعل ذلك رغم إدراكي أنه يمتلك الشجاعة الفائقة عن الحد.

 

المشـوار الجهادي

التحق شهيدنا بـ (حركة الجهاد الإسلامي) في فلسطين مع بداية الانتفاضة حيث كلف رسمياً ـ وكما جاء في لائحة الاتهام ـ أن يكون النواة الأولى لمجموعات الجهاد الإسلامي , وبالفعل باشر هذا العمل الجهادي حيث كان له الشرف في توزيع أول بيان صادر في الانتفاضة عن (حركة الجهاد الإسلامي) وكان من أهم العناصر المعتمد عليها في تأجيج المظاهرات والفعاليات الشعبية.

 

وبعد ضربة وجهتها أجهزة الأمن (الشين بيت) للجهاد الإسلامي توقف العمل ولمدة ستة أشهر ولكن لم يتوان عن تقديم الواجب رغم الحصار الشديد الذي واجهه هو وبقية إخوانه بسبب هذه الضربات.

 

وفي سنة 1989م أكمل شهيدنا دوره ضمن اللجان الشعبية التابعة للحركة وكذلك الجهاز الأمني.

 

أحب شهيدنا أن يطور من عمله وبالفعل انضم إلى الجهاز العسكري التابع للحركة حيث حاول أن يقتحم السجن المركزي في غزة ولكن تم اكتشافه وهرب بأعجوبة بعد أن تم إطلاق النار عليه،

 

الاعتقال

اعتقل الشهيد أنور لمدة سنتين ونصف عاشها في معتقل النقب الصحراوي بين إخوانه المجاهدين الذين عرّفوه بالرائع على الدوام كما أحبه كل من عرفه.. متواضع خلوق يحب إخوانه ويحرص على خدمتهم على الدوام وفي نفس الوقت كان حلم الشهادة يراوده أينما كان وأينما حل فخطط شهيدنا لقتل مدير النقب المدعو (شالتئيل) حيث أعد له سكيناً خاصاً كما يقول زملاؤه في المعتقل
ولكن لم يحالفه الحظ لصعوبة تنفيذ هذا المهمة، وبعد إتمامه لمدة السجن خرج أكثر تمرداً وثورة وأكثر عنفواناً من ذي قبل،
فأصر أن يكمل الدور حتى يحقق حلم الشهادة، وبالفعل انضم الشهيد البطل إلى مجموعات لواء أسد الله الغالب (قَسَم) الجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وذلك في شهر أبريل 1993م، ليقتحم هذا الجدار الذي لا يدخله إلا من وصل إلى درجة كبيرة من الإيمان فسلك درب الإمام الحسين عليه السلام وهو يضع أمامه خياراً واحداً وهو خيار الدم والشهادة وكأنه يؤكد لنا مثله مثل كل شهيد أن (لغة الانتصار) هي اللغة الوحيدة والجميلة والسريعة للوصول إلى الله.

 

وبالفعل كانت أول عملية للشهيد الخالد (أنور عزيز) عملية الباص بالقرب من الشيخ عجلين والتي قتل من جرائها مدير الضرائب الصهيوني في غزة والسكرتير الخاص به.. وأصيب 7 جنود آخرين.

 

نعم اقتحم بالسيارة الباص بإمكانيات بسيطة ولكنه نجح بأن يقتل وينتقم.. نعم اقتحم بإمكانيات قليلة بعد أن هزأ من لغة المعادلة لأنه على يقين بنصر الله، واستمر الشهيد البطل في مشواره وعملياته العسكرية واستطاع بفضل الله.. أن يشارك في عملية نوعية مع إخوانه المجاهدين بالقرب من الإدارة المدنية لجيش الاحتلال والتي قتل خلالها جنديان صهيونيان.

 

بدا على ملامح شهيدنا إصرارها اللامحدود على المزيد من العمليات الرائعة.. ففي أحد الأيام خطط شهيدنا لعملية استشهادية في سيارته المفخخة وذلك على الخط الشرقي حيث كان ينوي تفجير نفسه.. اصطحب معه سيارة من نوع «فولس واجن» معدة للانفجار وبالفعل دخل وسط قافلة كبيرة للجيش والمخابرات وبقضاء الله لم تنفجر السيارة وعاد شهيدنا إلى منزله وهو كاظم لغيظه.

 

أي جرأة هذه التي سكنت روحه وأي شجاعة وصل إليها هذا البطل الرائع .. لقد رأى زخرفة الموت بعينيه ولكن قدر الله لم يكن حان موعده بعد.. ولكن هل زعزع هذا من عزيمته؟ بل العكس تماماً.

 

الاستـشهاد

في صبيحة يوم 13/12/1993م صلى شهيدنا ونادى على زوجته وقال لها إنني خارج اليوم في عملية عسكرية ادعي لي بالتوفيق، وقام بتوديعها وخرج حيث قام باختطاف سيارة الإسعاف من منطقة مشروع بيت لاهيا وذلك في الساعة السادسة تقريباً.

 

كان هدفه نفس العلمية التي لم يحالفه فيها قدره في المرة السابقة حيث قام برصد القافلة العسكرية وذلك على الخط الشرقي من مدينة غزة.. فهو مسار يومي لرجال المخابرات الصهيونية.

 

ولم يرجع شهيدنا البطل مثل كل مرة وأصر أن يكون هذا اليوم هو الشاهد على صرخته وتقديم دمه الطاهر قرباناً لله.. وبالفعل.. اقتحم شهيدنا وبإقرار شهود العيان نقطة عسكرية بالقرب من حاجز «ناحال عوز» وفجر نفسه هناك واعترف الجيش زوراً بإصابة ثلاثة جنود في حين أفاد الأهالي أنه اقتحم أربع سيارات عسكرية تقف بجانب الموقع وقتل العديد من الجنود حيث تم نقلهم بطائرات الهيلوكبتر إلى المستشفيات ، ليكون بادئ العمل الاستشهادي في فلسطين ومفجر ثورة الاستشهاديين في هذه الأرض المباركة .

 

اعتلى شهيدنا إلى الرفيق الأعلى بعد أن اختاره، نعم الشاهد على زيف هذه المرحلة.. ذهب وغادر هذه الدنيا ليؤكد لنا في كل ذكرى للشهداء أنه لا مجال غلا لهذا الطريق.

 

تقول أمه: «لقد رأيت في المنام أن هناك بيت عزاء لشهيد في وسط المسجد الذي بناه الشهيد الرائع أنور عزيز ولمدة ثلاث مرات حيث تيقنت يوم وقوع هذه العملية أن أحد أبنائي في هذه الحادثة وتيقنت أكثر أن أنور هو الشهيد حين رأيت أخاه حياً يرزق..».

 

فما أجمل أن ترتسم النشوة على صدور إخوانه وأهله الذين عبروا عن فرحهم وصبرهم في نفس الوقت.

 

فما أجمل الشهداء حين يرحلون وسط جو مليء بالتفاؤل وما أجمل أن يحافظ الإنسان في رحلته بمثل رائعة أنور وكل أنور قرر أن يذهب نحو وعد الله الآتي.

زر الذهاب إلى الأعلى